إعادة إنتاج نظام !!
«خطاب النصر»: هي العنونة الرئيسية للكلمة التي وجهها الرئيس المصري «مرسي» بعد إعلان قبول الدستور الجديد بنسبة 63%. كلمة ميزها ارتياح الرئيس «مرسي» و«الإخوان» ضمناً للنصر الذي تحقق و«الهدوء النسبي» سياسياً الذي ساد في اليوم الأول بعد الإعلان عن إقرار الدستور، إضافة لتحقيق انتصار جزئي في معركة «الإخوان المسلمين» مع السلطة القضائية.
الانتصار السياسي وغياب الالتفاف الشعبي
بالفعل كانت النتيجة 63% بـ«نعم» للدستور، وبعيداً عن طلبات النقض التي قُدمت من المعارضة والاعتراض على عمليات تزوير شابت الاستفتاء على الدستور، فإن هذا الدستور جاء بعد ما سُمي بـ«مذبحة الاتحادية» التي سقط فيها نحو 12 قتيلاً وأكثر من 600 مصاب، بعد قيام عناصر من «الإخوان» بالهجوم على المعتصمين ضد الإعلان الدستوري أمام قصر الرئاسة. وفي التفصيل أكثر فإن عدد المصريين المؤهلين للتصويت هو 52 مليون مصري، في حين أن عدد الذين شاركوا في التصويت 16.5 مليون مصري، وبالتالي فإن نسبة 63% هي تعني أن حوالي 10.5 مليون صوتوا بـ«نعم» مقابل 6 ملايين صوتوا بـ «لا»، وإذا أخذنا عدد الذين صوّتوا بـ«نعم» من أصل عدد المصريين الذين يحق لهم المشاركة بالتصويت تصبح النسبة الحقيقية لنتائج الاستفتاء هي 20.19%، ويكون نسبة الذين شاركوا بالتصويت من أصل أولئك الذين يحق لهم هو 32%، أي أن ثلث المصريين شاركوا عملياً بالاستفتاء وبالتالي فإن أكثر من ثلثي المصريين غير موافقين على الدستور وغير مستعدين للمشاركة بالاستفتاء، وهو ما يعني غياب الالتفاف الشعبي حول الرئيس «مرسي» وسياسته، وغياب الالتفاف الشعبي عملياً حول برنامج «الإخوان المسلمين» بعد حوالي سنتين من رحيل الرئيس السابق «مبارك» وبعد أكثر من ستة أشهر على سيطرة «الإخوان» على البرلمان وعجزهم عن تحقيق جو من الاستقرار السياسي وإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية المتعاقبة، بل على عكس ذلك زادت حدة التوترات السياسية وقسوة الضربات الاقتصادية دون وجود بوادر حل على أي صعيد كان.
عقلية الحزب الواحد
كل تلك الإحداثيات والمؤشرات لم تثن الرئيس المصري الذي بدت عليه النشوة واضحة بعد إعلان «الانتصار» من وصف اليوم الذي صُوّت فيه بـ«نعم» لإقرار الدستور بـ«اليوم التاريخي»، وكم استخدمت قيادات وأنظمة من قبل وصف الـ«تاريخي» لوسم أحداث شاركت هي في صنعها بغض النظر عن الرأي العام وظروفه، وفي الكلمة نفسها أعلن الرئيس «مرسي» أنه كلّف «هشام قنديل» بإجراء تعديلات وزارية لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها البلاد، وأكد أن حكومة «قنديل» مستمرة حتى إجراء انتخابات مجلس نوّاب جديد أي بعد 3 أشهر، وبالتالي فإن الرئيس «مرسي» مرة جديدة بعيد تماماً عن تطلعات المعارضة وقطاع كبير من الشعب الذي كان يأمل في تشكيل حكومة إنقاذ وطني من كل التيارات لتحقيق الاستقرار السياسي ولو نسبياً ومواجهة شبح الإفلاس الذي بات يحيط بمصر للمرة الأولى.
من ناحية أخرى كان المستشار «طلعت عبد الله» النائب العام المصري الذي عينّه الرئيس «مرسي» وسط اعتراض شديد من المعارضة، كان قد قدّم إلى نيابة أمن الدولة بلاغا ضد قادة المعارضة يتهمهم فيه بمحاولة الانقلاب على السلطة الشرعية والتخابر مع جهات أجنبية وزعزعة الوضع الداخلي، واتهم فيه كلا من «عمرو موسى» و«حمدين صباحي» المرشحين السابقين في انتخابات الرئاسة، و«محمد البرادعي» رئيس حزب الدستور، و«السيد البدوي» رئيس حزب الوفد، والمستشار «أحمد الزند» رئيس نادي القضاة، اتهمهم بالتخابر والتحريض على قلب نظام الحكم. إن هذه العقلية في التعاطي مع المعارضة أياً كانت هي عقلية الإقصاء ذاتها التي لطالما تعاطى وفقها النظام السابق مع كل ما هو ومن هو معارض، وبالتالي فإن الرئيس «مرسي» و«الإخوان المسلمين» عاجزين فعلياً عن تجاوز الأزمات السياسية للنظام السابق كون العقلية ذاتها ما تزال موجودة في التعاطي مع الحياة السياسية والتيارات السياسية في البلاد، بالتالي فإن التوتر السياسي والأزمة بين النظام - الإخوان وبين المعارضة ستستمر وهو الأمر الذي ينذر بانفجار هذا التوتر على احتمالات أكثر خطورة يستشعرها الشعب المصري خاصة والقيادات الدولية عموماً.
«الدَّين»... والصراط المستقيم
طوال السنتين الماضيتين ورغم سقوط نظام «مبارك» فإن شيئاً في السياسة الاقتصادية لم يتغير، ولم يكن للإخوان في برنامجهم أي توجه جديد يختلف عمن سبقهم، فلا حياد عن الخيار الوحيد لتغطية النفقات... «الدَّين»... إذ وعلى مدى شهور من استلام «الإخوان المسلمين» للسلطة خاضوا مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4.5 مليار دولار، وكان من أهم العوامل التي سببت فشل تلك المفاوضات حالة الفوضى والبلبلة السياسية التي تشهدها مصر على مدى الشهور الستة الماضية والناتجة أساساً عن عدم التوصل إلى التوافق بين حكومة الإخوان والمعارضة. بعد فشل تلك المفاوضات للحصول على الـ«دّين» من صندوق النقد الدولي، أي الاقتراض من الخارج، كان الحل البديل العبقري... الاقتراض من الداخل..! إذ أعلنت وزارة المال المصرية نيتها التوسع في طرح السندات الحكومية في ربع السنة المالية بزيادة قدرها 60% قياساً على الربع الحالي من العام المالي، وأن الحكومة ستسعى لبيع 26 مليار سند حكومي في الربع الجديد تتراوح آجالها بين ثلاث إلى عشر سنوات قياساً مع 16 مليار سند في الربع الحالي، وهذا الحجم من العجز المالي يعتبر حسب عدة مؤسسات بارزة الأكبر في الشرق الأوسط. بالتالي فإن سياسة الإخوان تبتعد تماماً عن التنمية المعتمدة على الثروات ومقدرات الداخل، وبعيدين عن فرض سياسة ضريبية تعيد توزيع الدخل لتحقيق تنمية اجتماعية، وبعيدين تماماً عن التوجه للسيطرة على مطارح الموارد الاقتصادية الكبرى التي يسيطر عليها كبار رؤوس الأموال الخاصة المتحكمة بعصب الاقتصاد المصري وبرغيف الغالبية الساحقة من الشعب المصري، فالمواطن المصري البسيط الذي يعيش في قلق متضاعف منتظراً زيادة الضرائب على سلع غذائية وخدمية خلال أيام قليلة بعدما علق «مرسي» تفعيل هذه القرارات قبيل الاستفتاء، ومع استمرار توارد التقارير والتحذيرات من شبح الإفلاس وخصوصاً بعد التصنيف الائتماني لوكالة «ستاندرد آند بورز» حيث انخفض التصنيف الائتماني المصري ليصبح مماثلاً للتصنيف اليوناني، أمام كل تلك المحددات والمؤشرات الخطيرة على صعيد الأزمة السياسية والأزمة الاقتصادية الحادة يبدو الانتصار السياسي و«اليوم التاريخي» للرئيس «مرسي» و«الإخوان المسلمين» هزيلاً ومنغصاً بالواقع المرير والعجز عن إيجاد حلول خلاقة ووطنية للشعب المصري... شعب ثورة 25 يناير...