أين مصالح «إسرائيل» مما يحدث في سورية؟
بعد أشهر قليلة على غزو العراق 2003، اكتشف البروفيسور « ماثيو جونز « أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في « رويال هولووي كوليدج » في لندن وثائق صريحة بشكل مخيف: صادق فيها الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور، ورئيس الوزراء البريطاني هارولد مككيلان عام 1957، على خطة مشتركة لـ (سي أي إيه، إم أي 6) لافتعال أحداث على الحدود كذريعة لغزو سورية من جيرانها المؤيدين للغرب.
من الملاحظ هنا أن الوثيقة السرية المشار إليها لم تأت على ذكر الكيان الصهيوني بالاسم، بل ضمن مصطلح جيران سورية المؤيدين للغرب. ولكن الأمر اختلف الآن، فلم يعد الأمر يحتاج إلى عشرات السنين لكشف الوثائق والمواقف حول تدخل الدول الاستعمارية المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية للدولة في المنطقة وخصوصاً سورية..
منذ أيام كتب الباحث والمحرر «الإسرائيلي» إيتان هابر مقالاً تحليلياً في صحيفة يديعوت أحرونوت بعنوان «خمس لمصلحتنا»، يوجز فيه موقف الكيان الصهيوني مما يجري في سورية ويعترف صراحة أن تل أبيب لم تكن بعيدة عن الأحداث الجارية في سورية، ويضع خمسة احتمالات لتطور الوضع في سورية، وما هي فائدة ـ «إسرائيل» ـ من كل ذلك:
« ففي حال حُسمت الأمور لمصلحة المتمردين »، ستفرح «إسرائيل» ـ بكسر ما سماه الكاتب « الإسرائيلي» المحور الراديكالي متمثلاً بسورية وإيران وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وهنا لابد من الإشارة إلى إجماع الباحثين «الإسرائيليين» على ضرورة تعميق التحريض المذهبي الطائفي والعرقي والعشائري بهدف تفتيت المقاومة في أي بلد عربي وعلى مستوى المنطقة ككل.
عند الحديث عن الاحتمال المتمثل بنجاح سورية في تجاوز الأزمة، « ستربح «إسرائيل» ضعف سورية بسلطتها وجيشها لأنه ستكون عند ذلك منشغلة بتضميد جراحها وحل مشاكلها الداخلية »، ولن يكون هناك من لديه الوقت للتفكير بالمقاومة!!
لا يفوت الباحث «الإسرائيلي» أن يتحدث طرحه في الاحتمال الثالث لتطور الأحداث في سورية، عن فوائد استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم من استمرار نزف الدماء السورية في كل مكان: « ففي هذه الحالة يستمر الحشد، ويسفك الطرفان دم بعضهما بعضاً ولن يكون بمقدور أحد النظر إلى «إسرائيل» وهذا فعلاً في مصلحتنا» !!
أما الاحتمال الرابع والذي تتمناه وتعمل عليه كل أجهزة الاستخباراتية الغربية وخصوصاً الموساد «الإسرائيلي»: «هو انهيار الدولة السورية وتفككها إلى دويلات على أسس دينية ومذهبية».
لأن الكيان الصهيوني سيكون عندها في حل من أي حديث عن حدود عام 1967، أو أي التزام بالقرار 242، وبالتالي فإن الحلم الصهيوني بتقسم سورية إلى دويلات سينهي مفاعيل سايكس بيكو ويدخل المنطقة في مرحلة جديدة من التقسيم يطيل من عمر الكيان الصهيوني وتهويد الأراضي العربية المحتلة.
يعتبر الكيان الصهيوني: «أن تغيير هوية النظام السياسي في سورية مع بقاء الدولة بعد حرب استنزاف طويلة وتسلل عناصر متطرفة من القاعدة وأخواتها، ستجعل أي حاكم جديد لدمشق منشغلاً بالخوف من التكفيريين ولن يستطيع فعل أي شيء ضد «إسرائيل»، بل سيتوجه إلى أوربا لمساعدته اقتصاديا،ً وهناك ستلاقيه «إسرائيل» لتعرض عليه ما تشاء وتأخذ ما تشاء».
عند التمعن قليلاً في الاحتمالات الخمسة التي تتداولها مراكز الأبحاث «الإسرائيلية» والغربية حول سير الأحداث في سورية، لا بد من استنفار القوى الوطنية في المجتمع كافة لإفشال جميع السيناريوهات الرامية إلى تدمير سورية أرضاً وشعباً، عبر التمسك بالمبادئ العليا التالية:
كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، ولا شك أن عنوان الكرامة الوطنية، هو رفض كل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية.
رفض الفتنة الطائفية بكل أشكالها ومواجهة الفكر التكفيري ومحاولات العودة بالبلاد إلى ما قبل الدولة الوطنية.
وقف العنف وسفك الدماء السورية وعدم إضاعة الفرص والبدء بحوار وطني شامل وجدي بين أبناء الوطن وصولاً إلى التغيير الجذري الديمقراطي الشامل في بنية الدولة والمجتمع.
رفض التعايش مع قوى الفساد التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه ومازالت تعيق الوصول إلى خروج آمن من الأزمة الوطنية الكبرى، لأنها لا تنظر للوطن إلا من خلال جيوبها ولذلك لم تكن يوماً إلا بوابات عبور للعدوان الخارجي...
