الشركات الأمنية الخاصة تجارة حرب.. وأدوار مشبوهة

تعتبر الاستعانة بشركات خاصة للقيام بالمهام الأمنية والعسكرية، صناعة جديدة ظهرت حديثاً ومن ثم نمت وتطورت بشكل سريع مع إعلان الحرب على أفغانستان والعراق، فعقب انهيار الاتحاد السوفييتي وتصاعد دور الدول الرأسمالية الكبرى على الساحة الدولية، أصبحت تلك المهام الأمنية والعسكرية والتي تعتبر من الوظائف الأساسية للدولة توكل بشكل متزايد للقطاع الخاص، ويأتي هذا التحول كتجلٍ لنمط الإنتاج الرأسمالي وسعيه الحثيث إلى خصخصة كل مفاصل الحياة وتحويلها إلى مصدر للنهب والربح الخاص، وقد استفادت الصناعة العسكرية والأمنية الخاصة من حالة تقليص الجيوش الوطنية في بعض الدول ومن عولمة الاقتصاد لتجد لها منافذ مهمة للربح، فأصبحت ظاهرة عالمية قوية تسعى إلى احتكار الاستخدام المشروع للقوة وتنمو بشكل متزايد حيث تقدر قيمة أعمالها بما يزيد على مبلغ 100 مليار دولار سنوياً..

 

ارتفعت وتيرة أعمال تلك الشركات مع بداية ما يسمى «الحرب العالمية على الإرهاب «، وانتشرت بشكل كبير في العراق لتصبح الساحة العراقية سوقاً مهماً لها ونموذجاً واضحاً لأدوارها المشبوهة وأعمالها الإجرامية.

تجربة العراق

ومن بين أكثر الشركات الأمنية المستفيدة من العمل في العراق شركات أمريكية وبريطانية كان لها النصيب الأكبر من نفقات حكوماتها خلال الحرب، وحسب بعض الوكالات فإن أكثر من ثلث الميزانية الحكومية العراقية تذهب لأمور الحماية والحراسة للوزارات ومؤسسات الدولة، أما فيما يخص عقود الحماية للمنشآت النفطية التي أعطيت لجهات عراقية سياسية وعشائرية فكشفت بعض المصادر الحكومية عن ملفات لفساد تلك العقود التي أعطيت لأشخاص ولرؤساء عشائر أنفقوا الأموال على أعمال حراسة وهمية، وحسب صحيفة بريطانية فإن إحدى أكبر الشركات الأمنية البريطانية العاملة في العراق «آرمز جروب» والتي بلغ نصف أرباحها عام (2006) 129 مليون جنية إسترليني قد جاءت من العراق، وتشير الصحيفة إلى أن ما نسبته 34 بالمائة من مبلغ 21 مليار دولار خصصتها الولايات المتحدة لإعادة إعمار العراق قد تم تحويلها للأغراض الأمنية.

 هنالك أيضاً أسباب أخرى دعت الحكومتين الأمريكية والبريطانية إلى خصخصة قواتهما، وذلك للإمكانية التي توفرها تلك الشركات للتحايل على القيود السياسية للقوة، فهي كيانات غير حكومية تعمل في حالات عدم وضوح، وتجند عدداً كبيراً من المرتزقة لقاء مبالغ كبيرة، حيث تتهم تلك الشركات وأهمها شركة بلاك ووتر بارتكاب مجازر عديدة بحق المدنيين العراقيين ومثال على ذلك المجزرة التي ارتكبت من عناصرها في ساحة النسور في بغداد عام 2007 حيث أطلقت النار بشكل عشوائي مما أدى لاستشهاد 17 عراقياً وجرح 20 آخرين.

ويضاف إلى هذا التقليل من الخسائر في صفوف الجنود النظاميين تجنباً للأثر الإعلامي الذي تتركه الأرقام الحقيقية لقتلى الاحتلال على الرأي العام، حيث لم يتم تسجيل المرتزقة ضمن قوائم قتلى قوات الاحتلال.

مصر اليوم

في مصر يوجد اليوم حوالي 300 شركة أمنية، 58 منها فقط يعمل بتصريح بينما أكثر من 200 شركة غير معروفة تعمل في الظل، ويدور الحديث اليوم عن نية الحكومة التوسع في عمل تلك الشركات، حيث صرح القيادي في الإخوان صابر أبو الفتوح عن نية حزب «الحرية والعدالة» التقدم بمشروع قانون لمجلس الشورى يمنح شركات الحراسة حق الضبطية القضائية (القبض على المتهمين من دون إذن من النيابة). إن توسيع عمل تلك الشركات سيفتح الباب أمام تسليح جماعات غير معروفة الهوية، لتنفيذ أعمال قمعية باسم جماعات محددة ولكن بشكل مخفي وغير معلن إلا أنه مشروع قانوناً!! كما أنها ستكون أداة جديدة لتوقيع عقود لأفراد وشركات خاصة مع الحكومة مما يجعلها مصدر جديد للفاسدين وتجار الأزمات للنهب والربح على حساب الشعب ولقمته.

يبدو أن طرح الشركات الأمنية الخاصة اليوم، في ظل التحولات التي تشهدها بعض الدول العربية، وكنتيجة لكل ما سبق ذكره يجعلها أداة من أدوات الثورة المضادة، كما أن إيكال مهمة الأمن والحماية إلى جهة غير حكومية يعد تنازلاً عن أهم مكون من مكونات السيادة في أي دولة.

 

آخر تعديل على الأربعاء, 18 أيار 2016 23:36