إنهم يستغفلوننا..
في الخامس عشر من شهر مايو/ أيار المقبل (ذكرى النكبة)، يفترض أن تجتمع اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بما يسمى «عملية السلام في الشرق الأوسط» لبحث المستجدات الخاصة بهذه العملية. واستباقاً لهذا الاجتماع، وكما يبدو كجزء من الحملة الدعائية التي قيل إن الحكومة «الإسرائيلية» بدأتها لمواجهة حملة السلطة الفلسطينية للحصول على اعتراف دولي بـ«دولة فلسطينية على حدود 1967» في دورة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، نشر في الكيان الصهيوني ما سمي «مبادرة سلام إسرائيلية»، وضعتها نخبة من قادة الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» السابقين كرد على «مبادرة السلام العربية»، هدفها الرد على «ادعاء أن «إسرائيل» ضد السلام»، كما قال يعقوب بيري، رئيس الموساد السابق، الذي أضاف قائلاً: «آمل أن تسهم هذه المبادرة في دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الأمام، حيث آن الأوان لتقدم «إسرائيل» شيئاً يخص عملية السلام». لكن ما تضمنته «المبادرة» المذكورة لم يصل إلى الحد الأدنى الذي تطالب به السلطة الفلسطينية بعد كل التنازلات التي قدمتها في مسلسل مفاوضاتها. أما المضحك، ربما، في موضوع هذه المبادرة، كما يرى بعض المعلقين «الإسرائيليين»، فإنها تتطلب قبل عرضها على الفلسطينيين والعالم أن تقبل بها الحكومة «الإسرائيلية»، وهذا الأمر الذي يبدو أنهم يشكون فيه.
في هذه الأثناء، طالب الرئيس محمود عباس اللجنة الرباعية مجدداً بالخروج من اجتماعها المنتظر بقرار «يطالب» الحكومة «الإسرائيلية» بوقف الاستيطان. ما يجدر ذكره هو أن موضوع الاستيطان كان على جدول محادثات أوباما وبيريز الذي كان يقوم بزيارة لواشنطن، للبحث في مستجدات «عملية السلام» إلى جانب مسائل أخرى تتعلق بمستجدات الوضع في المنطقة كلها، بينما استبقت الحكومة «الإسرائيلية» الزيارة بالإعلان عن المصادقة على بناء أربع مستوطنات جديدة.
إنهم يستغفلوننا، هناك في «تل أبيب» وفي واشنطن، وربما في رام الله أيضاً. فماذا يمكن أن تعني «مبادرة» هي في أحسن الأحوال «عملية تجميلية» للحفاظ على مكاسب الاحتلال؟ وماذا يعني حديث في مناسبة ما عن حاجة إلى السلام أصبحت «أكثر إلحاحاً» دون التقدم خطوة عملية واحدة؟ وماذا يعني تحميل الواقع تحت الاحتلال قدراً من المسؤولية عن عدم تحقيق هذا السلام يعادل المحتل خارج ما يسمى القانون الدولي والشرعية الدولية؟ وأخيراً ماذا تعني مطالبة اللجنة الرباعية بوقف الاستيطان، أو مطالبة ما يسمى المجتمع الدولي بالاعتراف بدولة فلسطينية؟ ألا يقع ذلك كله، في دائرة الاستغفال طالما ظل في دائرة كلام المناسبات؟
في حديثه للصحافيين بعد محادثاته مع بيريز، قال أوباما: «مع هبوب رياح التغيير في أنحاء العالم العربي أصبح ملحاً أكثر من أي وقت مضى أن نسعى لإيجاد حل سلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين»! ما معنى هذا الكلام؟ ألم يكن ملحاً إيجاد هذا الحل السلمي قبل «هبوب رياح التغيير في العالم العربي»؟ وماذا كانوا يفعلون قبل ذلك ومنذ يونيو/ حزيران 1967؟ هل كانوا يكذبون علينا؟ ليس ذلك فحسب، بل كانوا أيضاً يستغفلوننا . أليس كذلك؟ ألم يتحدثوا على الموجة نفسها وبالطريقة نفسها وربما بالألفاظ نفسها، كلما بدا أن شيئاً ما يتحرك على الأرض العربية، أو كلما كان لديهم مخطط جديد يريدون تنفيذه في الأرض العربية؟ ألم يحدث ذلك عندما اندلعت انتفاضة 1987 في الأراضي المحتلة وكان الإعداد لغزو العراق يجري على قدمين وساقين . . . فكان مؤتمر مدريد، الذي أصبح «المرجعية الأولى لتحقيق السلام في المنطقة»، والذي حل محل الشرعية الدولية والقانون الدولي، ثم رموه في سلة المهملات؟ ألم يكن ذلك استغفالاً لشعوبنا ولأمتنا كلها؟ ألم تتكرر الأسطوانة في السنوات اللاحقة عند كل حدث وقع، حتى تلك التي لم تكن تخصنا، مثل انتخابات الرئاسة الأمريكية، أو حتى انتخابات الكنيست «الإسرائيلية»؟
وفي لقاء أوباما مع الصحافيين، الذي شارك فيه بيريز، لم يتردد الأخير أن يجيب عن سؤال يتعلق بالموقف «الإسرائيلي» من الاستيطان في القدس، وهو يؤكد أن نتنياهو «جاد جداً جداً في تحقيق السلام»، بأن يقول: «إن «إسرائيل» ستتعامل مع البناء في القدس كما تعاملت معه في الأربعين عاماً الماضية»! وكأنما التعامل خلال الأربعين عاماً الماضية كان قانونياً وحسب أفضل القواعد والأصول! وماذا بقي من القدس؟
أحاديث وإعلانات، ومبادرات أيضاً، أمريكية و«إسرائيلية» وأحياناً أوروبية وعربية، وماذا كانت النتيجة بعد 62 عاماً وليس بعد 40 عاماً؟ النتيجة بعد كل التنازلات التي قدمها بعض الفلسطينيين، كما يعترف بها بعض «الإسرائيليين» كانت: لا شيء. وفي مقال له تعليقاً على ما نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية من وثائق ويكيليكس عن المفاوضات الفلسطينية- «الإسرائيلية» بين أحمد قريع وإيهود أولمرت، كتب ألوف بن في صحيفة (هآرتس- 25/1/2011) يقول: «تفيد الوثائق خلافاً لصورة اللاشريك التي أوجدوها لأنفسهم في «إسرائيل»، أدار الفلسطينيون مفاوضات جدية على حدود دولتهم، واقترحوا خريطة مفصلة لتبادل الأراضي في الضفة الغربية وتقسيم الأحياء في شرقي القدس. وحتى اليوم عرفنا أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت اقترح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس تسوية مفصلة مع خريطة وعباس تملص من الإجابة». ويختم بن مقاله بالقول: «أما الآن فإن الفلسطينيين يستطيعون أن يستخدموا الوثائق المسربة لتعزيز ادعائهم بأن ليس لهم شريك في «إسرائيل»، وسيدعون بأن الدليل هو أننا رسمنا خريطة ووافقنا على تنازل عملي عن حق العودة، ولم نحصل على شيء بالمقابل».
إنهم يستغفلوننا.. كانوا ولا يزالون ومستمرون في استغفالنا!