مصر بين مشروعين
خلال حراكي 25 يناير و30 يوليو، نجحت مصر بالوقوف في وجه نظام مبارك المستند إلى إرث حقبة السادات، وفي وجه تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي حاول إعادة إنتاج السياسات ذاتها بعباءة مختلفة. إلا أن استكمال هذا النجاح، بات مرهوناً اليوم باستكمال المهام العاجلة التي يواجهها المجتمع والدولة في مصر كليهما.
في عالم تتغير فيه موازين القوى الدولية، وتتغير فيه المعادلات السابقة التي وضعت على أساس أن الولايات المتحدة هي «الشرطي الآمر» في العالم، تنفتح مصر على سيناريوهات متباينة. الدولة التي تتمتع بحظوظ وافرة لاستعادة دورها الإقليمي الفاعل والقوي، هي ذاتها الدولة التي باتت مهددة فيما لو لم تتخذ ما يكفي من إجراءات الصمود والاستمرار.
تتراجع الولايات المتحدة عالمياً، وضمناً في منطقتنا، وتبوء خططها المبنية على منطق المرحلة الماضية بالفشل تلو الآخر. هذا التراجع، الذي لم يعد إدراكه عصياً إلا على من يأبى تصديقه أصلاً، لا يمكن أن يتم- من وجهة نظر قوى التشدد داخل الإدارة الأمريكية- دون ترتيب أوراقها في المناطق التي يجب أن يجري «الانسحاب» منها.
ممهدات الخطر..
من هنا، تتأهب السعودية وتركيا بهذا الشكل أو ذاك لملء الفراغ الناتج عن تراجع الولايات المتحدة في منطقتنا. وعلى هذه الأرضية، يمكن تفسير ما نشهده اليوم من محاولات سعودية لتأجيج الصراع في منطقة الخليج، وإنعاش عملياتها التي وصلت إلى سقوفها الموضوعية في اليمن، وكذلك في سورية. وفي المقابل ذلك، تصعيد «العدالة والتنمية» في شرقي وجنوب شرقي الأراضي التركية، مع استمرار التدخل السياسي والعسكري في العراق وسورية، وإن كان قد شهد في الثانية تخبطاً واضحاً بعد تنامي الحضور العسكري الروسي في البلاد.
وفي مقابل هذا وذاك، تضطر المراكز الفاشية في العالم للتعامل مع تبعات فتح معركة جدية ضد الأذرع الفاشية في سورية والعراق، وخصوصاً «داعش» و«النصرة»، بالكثير من العملية. ومن ذلك، ما تحمله عشرات التقارير الإخبارية حول عمليات منظمة لنقل مقاتلي تنظيم «داعش» من سورية، وجزئياً من العراق، إلى ليبيا، البلد الذي يتحول اليوم، بعد انهيار جهاز الدولة فيه منذ تدخل «الناتو» في آذار العام 2011، إلى نقطة تجمع للأذرع الفاشية في المنطقة، إذ أنه، وإضافة إلى نقل مقاتلي «داعش» إليه، تتحدث التقارير الإعلامية عن انتقال مجموعات مشابهة من وسط وغربي إفريقيا إلى ليبيا.
استراتيجي دولي.. وداخلي
لماذا ليبيا؟ أولاً لأن الوضع المتوتر والكارثي منذ انهيار جهاز الدولة فيها بات يشكل أرضية ملائمة لتنفيذ وظيفة جمع الأذرع الفاشية المنتشرة في المنطقة. وثانياً، لأن موقعها الجيوسياسي يسمح بتنفيذ المهمة المحتملة التالية، وهي إعادة تصدير هذه الأذرع نحو مناطق بعينها، وتهديد الشمال الأفريقي بشكل كامل.
تشير المعلومات الواردة من ليبيا إلى أن تجمعات مقاتلي تنظيم «داعش» وقوات «أنصار الشريعة» تتمركز أكثر فأكثر على الحدود الشرقية للبلاد مع مصر، وبشكل أقل، على الحدود الغربية مع الجزائر. وهو ما يسمح بالقول إن مصر باتت اليوم تحت مرمى التهديدات الفاشية الجديدة، أو على أقل تقدير، إنها مهددة، وبالتالي، مطالبة بتهيئة عوامل الصمود جميعها.
بالعودة إلى واقع الموازين الدولية الجديدة، تتمثل مهمة حسم التوجهات المصرية الاستراتيجية، فيما يخص علاقاتها الدولية، كمهمة أولى تتجسد بكسر قيود العلاقات التقليدية مع الولايات المتحدة بمفرزاتها وانعكاساتها،كلها ابتداءً من اتفاق «كامب ديفيد»، وصولاً إلى تذليل كل ما يعوق نهضة الدور الإقليمي الفاعل والوازن لمصر، والذهاب نحو تعميق التحالفات الاستراتيجية مع الدول الصاعدة، قطب «بريكس» وحلفائه في العالم، وهو ما يمكن بناءه اليوم اعتماداً على ما أنجز وينجز من اتفاقات كبرى من شأنها أن تحقق لمصر نقلة نوعية في إطار استعادتها لأمنها القومي.
وإلى جانب حسم التوجهات الاستراتيجية، لا بد من الإشارة إلى أن الاستحقاق الداخلي لا يزال يشكل الأساس لخلق عوامل الصمود في وجه ما قد تواجهه مصر من مخططات فاشية جديدة للضغط على توجهاتها، وهذا الاستحقاق يتمثل في الحسم السريع ضد نفوذ أتباع قوى رأس المال المالي العالمي، الإجرامي ضمناً، في الداخل المصري، هؤلاء الفاعلون حتى اليوم داخل المجتمع المصري وجهاز الدولة فيه. إذ أن تسريع المعركة الوطنية ضدهم، من شأنه عاجلاً أم آجلاً أن يؤمن أوسع وحدة وطنية عميقة قادرة على رص الصفوف في وجه احتمالات التهديد التي تتربص بمصر.
مشاريع ضخمة خلال 2016
خلال لقائه بوزير التجارة والصناعة الروسي، دينيس مانتوروف، دعا الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى الإسراع في تنفيذ المشروعات الروسية المتفق عليها بين الجانبين. كما أكد وزير الصناعة والتجارة المصري، طارق قابيل، أن المنطقة الصناعية الروسية المزمع إنشاؤها في منطقة قناة السويس (التي تضم مشروعات لإنتاج جرارات زراعية ومنتجات بتروكيميائية، وغيرها من المنتجات) يمكنها أن تبدأ العمل خلال العام الجاري، فور التوصل إلى اتفاق بشأن المشروعات، التي ستقام فيها.
بدوره، كشف رئيس هيئة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أحمد درويش، تفاصيل المنطقة الصناعية، موضحاً أن مذكرة التفاهم التي وقعت يوم الثلاثاء 2/2/2016 تتحدث عن مليوني متر مربع سيجري بدء المشاريع الروسية فيها، وأن مصر تستهدف قطاعات وصناعات بعينها. منها صناعة الجرارات، والأدوية.. وأكد: «إن منطقة العين السخنة جاهزة الآن لبدء عمل أي مصنع، وإن منطقة جنوب العين السخنة جاهزة للصناعات الثقيلة». موضحاً أنه «في حال توافر الرغبة لدى الجانب الروسي في البدء بالصناعات الثقيلة، فمن الممكن أن يبدأ الآن بذلك».
في اليوم ذاته وفي القاهرة، اجتمعت «اللجنة الاقتصادية المصرية- الروسية المشتركة»، برئاسة وزيري تجارة وصناعة البلدين، حيث شهدت توقيع ثلاث اتفاقيات تتعلق بالتعاون التجاري والاستثمارات المتبادلة، وإنشاء المنطقة الصناعية الروسية في شرق بورسعيد بمنطقة قناة السويس، وبروتوكول تعاون يتعلق بإتمام عمل اللجنة الثنائية المصرية الروسية.
مما سبق، واستناداً إلى غيره من المشاريع، كالاتفاق على مشروع بناء محطة «الضبعة» النووية بين روسيا مصر، يتبين مقدار النقلة النوعية التي من الممكن أن تحظى مصر بها من خلال تعميق علاقاتها مع القوى الدولية الصاعدة.