مزاد التطبيع الديني.. لماذا الآن..؟!
قام الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية بزيارة إلى المسجد الأقصى، مخترقاً بذلك الإجماع المصري والعربي والإسلامي منذ 1948 التي منعت وحرمت زيارة فلسطين تحت أي ظرف قبل تحريرها من الاغتصاب الصهيوني.
ورغم نفي المفتي دخولها بتأشيرة إسرائيلية وإنما برعاية ملكية أردنية، إلا أنه دخلها في النهاية من بوابة معاهدة وادي عربة، الشقيقة الصغرى لأختيها البائستين كامب ديفيد المصرية وأوسلو الفلسطينية، وجميعها ارتكب جريمة وخطيئة الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني والتنازل لليهود الصهاينة عن 78% من أرض فلسطين التاريخية.
ناهيك عن أن كل تبريرات جمعة قد سقطت وانكشفت فوراً عندما قامت السلطات الإسرائيلية في ذات توقيت الزيارة بمنع الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى من دخول القدس، وعما صرحت به وكالات الأنباء العبرية من أن الزيارة تمت تحت حماية كاملة من الجيش الإسرائيلى لحماية الشيخ جمعة من المتطرفين الفلسطينيين وبتنسيق كامل مع السلطات الأردنية.
قبلها ببضعة أيام قامت عدة وفود من المسيحيين المصريين بزيارات دينية إلى كنيسة القيامة بالمخالفة لقرار الكنيسة القبطية بعدم زيارة القدس إلا بعد تحريرها وكتفاً بكتف مع الإخوة المسلمين، وتوعدت بعقاب المخالفين بالحرمان من سر التناول كأحد أسرار الكنيسة السبعة، ولكن كل هذا لم يمنع انطلاق عدة رحلات في وقت متزامن من مطارات مختلفة في مصر وإيطاليا وأمريكا إلى القدس، في لغز كبير حول الجهة المريبة المنظمة لهذه الرحلات في هذا التوقيت وفي تحد سافر للكنيسة.
لا يمكن أن تتزامن كل هذه الزيارات على سبيل المصادفة، كما أنه لا يمكن أن تكون زيارة المفتي قد تمت بمبادرة شخصية منه كما ادعى، فشخص في مكانة المفتي الرسمية لا يمكن أن يدخل «إسرائيل» إلا بعد استئذان المجلس العسكري أو بتكليف منه مع تنسيق سياسي أمني كامل بين الجهات الأمنية المصرية والإسرائيلية.
وهنا نصل إلى مربط الفرس، وهو الدوافع والأسباب التي دفعت الإدارة المصرية الحالية إلى مباركة، بل ورعاية مبادرات للتطبيع المصري الإسرائيلي عبر بوابة الزيارات الدينية، مبادرات لم تحدث حتى في عهد مبارك.
التفسير الأقرب إلى المنطق أن وراء هذه المبادرات التطبيعية الجديدة رسائل إلى أولي الأمر في أمريكا وإسرائيل، أن النظام القديم لا يزال هو الأصلح لهم ولمصالحهم، وأنه على استعداد لتقديم ما لا يمكن أن تقدمه لهم قوى أخرى: سيقدم لهم تطبيعاً شعبيا كاملا مع إسرائيل يدعم وجودها وشرعيتها ويؤكد ويثبت مدى التزامه بالسلام معها رغم أنف كل الثورات العربية.
وربما كان الحافز على تقديم هذه الرسائل في هذا التوقيت هو ما استجد من تحركات إسلامية مدعومة من الولايات المتحدة والتي بدأت بالإعلان عن الالتزام الكامل بمعاهدات السلام وانتهت بزيارة مبعوثيهم إلى واشنطن ودخول البيت الأبيض والالتقاء بأعضاء من مجلس الأمن القومي الأمريكى.
ومنها أيضا ما صدر من تصريحات إسرائيلية على لسان قيادات مثل بن اليعازر من أن الإسرائيليين على استعداد للجلوس مع الإخوان؛ بما يعني أن الورقة التي كان نظام مبارك وأقرانه يلعبون بها من أنهم الوحيدون الملتزمون بالسلام مع إسرائيل والاعتراف بها قد احترقت، حيث إن الجميع يعلنون استعدادهم لتبني النهج والتوجه ذاته!
فرأى رجال النظام القديم ضرورة الإسراع في تقديم مزيد من التنازلات في اتجاه التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية، وهم يعلمون أن التيار الإسلامي لن يستطيع أن يجاريهم فيها، بل سيشن عليها حملة شعواء، وهو ما حدث بالفعل حيث أدانت كل القوى الوطنية والإسلامية بشدة زيارة المفتي وطالبت بإقالته فورا، مما سيخفض بالضرورة من أسهمهم لدى الأمريكان لمصلحة بقاء النظام القديم الذي لم يسقط بعد.