«الشغب الإقليمي» والمصلحة المصرية

وسط التقلبات الكبرى في الموازين الدولية والإقليمية، تدخل التحالفات التقليدية في المنطقة في عملية «إعادة تقييم» وتحديد الجدوى من التحالفات القائمة، على قاعدة تجميع أكبر قدر ممكن من القوى لمواجهة الاستحقاقات السياسية القادمة.

هذا السياق، جرى الحديث مؤخراً عن محاولات سعودية رمت إلى إنجاز «مصالحة» مصرية- تركية، قامت خلالها الرياض باستخدام ما تملك من نفوذ وأدوات ضغط، لدفع هذه الفكرة نحو الأمام. أما التنفيذ، فبحسب ما نقلت تقديرات عدة، فهو مرهون بالمشاركة المصرية في مؤتمر القمة الإسلامي المزمع عقده قريباً.

وإن كان موقف القاهرة قد تأخر إزاء هذه التكهنات و«التسريبات»، إلا أن تصريحاً رسمياً كان قد أكد عدم مشاركة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في أعمال القمة، وتحديد التمثيل الدبلوماسي فيها بما دون الرئيس.

لا يمكن عزل فكرة المصالحة المصرية- التركية عن الإطار العام والظرف الذي تأتي خلاله، حيث موازين القوى الدولية الجديدة، والتراجع الأمريكي، وانعكاسه على تراجع أدوات وحلفاء واشنطن في المنطقة، وحل الملف النووي الإيراني.. باختصار: وضع دولي يسمح، إلى هذا الحد أو ذاك، بقفزات نوعية للقوى المستقلة عن المعسكر الأمريكي.

يضع هذا المشهد القاهرة أمام مفترق طرق: إما إدراك عمق أزمة المعسكر الأمريكي، وبالتالي تجنبه، وإما فإن المصريين أمام خطر انعكاسات التراجع الأمريكي إلى داخل بلادهم. وحتى الأمس القريب، كانت السياسة المصرية مفتوحة على خطوط عديدة: قدم في المعسكر الصاعد، ومحاولات مترددة للحفاظ على خيط رفيع مع المعسكر الآخر.

في ميزان الربح والخسارة، لم يقدم المعسكر المتراجع لمصر سوى احتمالات التورط في سياسات أثبتت فشلها، و«تقديمات» مالية ليس بإمكانها إلا أن ترقع حاجات الدولة المصرية مؤقتاً. في المقابل، تفتح القوى الصاعدة الباب أمام تعاون نووي سلمي، ومحطات كبرى، ومشاريع استثمارية ضخمة مع الحكومة.

20 اتفاقية من «العيار الثقيل» وقعتها القاهرة خلال الأسبوع الماضي مع الصين التي قام رئيسها، شي جين بينغ، بزيارة رسمية إلى مصر، فيما حمل الكم الأكبر من هذه الاتفاقيات مشاريع تكنولوجية وكهربائية وتمويلية واعدة لمصر. فهل باتت المنطقة على أعتاب حسم مصري في الخيارات الاستراتيجية؟ إن المصلحة الشعبية المصرية تقتضي ذلك..