بريطانيا في مهب التساؤلات وسط التغيرات

بريطانيا في مهب التساؤلات وسط التغيرات

تحتل المناقشات حول موضوع خروج أو بقاء المملكة المتحدة في إطار الاتحاد الأوروبي هامشاً واسعاً في وسائل الإعلام الأوروبية. فالموضوع- الذي لا يخرجه كثيرون عن سياق الضغط البريطاني لتحصيل تنازلات أوروبية أكبر- بات استحقاقاً قريب المدى خلال هذا العام.

من بين العديد من المناقشات التي جرت حول موضوع «المصير البريطاني»، تعرض «قاسيون»، فيما يلي، مقالاً للباحث السياسي البريطاني، هارولد جيمس، خصصه للإجابة عن التساؤل: «هل يمكن الحفاظ على المملكة المتحدة فيما لو خرجت من الاتحاد الأوروبي؟».
الخروج والصدمات الاقتصادية
يمكن للاستفتاء المرتقب حول استمرار عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي- الذي بات من شبه المؤكد أن يجري هذا العام- أن يتحول إلى «كارثة كبرى» أخرى تصل إلى أوروبا. حيث من المرجح أنه في حال اختار الناخبون البريطانيون الخروج من الاتحاد، فإن النتيجة ستكون زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي، وحدوث اضطراب عميق في المملكة المتحدة.
تكمن المشكلة في كون الاتحاد الأوروبي غارقاً على ما يبدو في أزمة دائمة، بينما تستحوذ قضية «خروج بريطانيا» على الاهتمام الفكري أو الوجداني لدى بعض النخب البريطانية. فحتى قبل ظهور مشاكل الديون في منطقة اليورو خلال عامي 2009/2010، بدا واضحاً للعديد من البريطانيين أنه، وبهدف تحمل الصدمات، فإن الاتحاد النقدي يتطلب المزيد من التكامل، وعلى وجه الخصوص، شكلاً من أشكال الاتحاد المالي. وبعبارة أخرى، فإن أوروبا بحاجة إلى الاشتغال أكثر كـ«دولة قومية»، وهذا ترتيب لا ترغب المملكة المتحدة بالالتزام به، (حتى وإن كان زمن الدول بهذا المعنى قد ولى- المحرر).
في الوقت ذاته، واصل المدافعون الشرسون عن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ارتكاب الأخطاء تباعاً. ويعقد الكثيرون آمالهم على توقعات بعيدة عن الواقع، لإعادة التفاوض حول معاهدات الاتحاد الأوروبي. فقد حاولوا، على وجه الخصوص، تقديم حجج لإضعاف العناصر التي تحول دون عملية التكامل الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بانتقال وتنقل اليد العاملة.
علاوة على ذلك، فإن المعسكر المؤيد للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي قد أرسل إنذارات متعلقة بـ«الصدمة الاقتصادية» التي من المحتمل أن يسببها خروج المملكة المتحدة من الاتحاد. وفيما تبدو هذه الاستراتيجية «معقولة»، يبقى أن الخوف الذي تجري محاولة نشره وتعميمه ليس منطقياً، بالنظر إلى أن هذه القضية لم تخرج حتى الآن عن كونها ورقة ضغط سياسية.
هل الخروج حل؟
على المقلب الآخر، ليست المملكة المتحدة مثالاً جيداً لهذا النوع من «الدولة القومية» التي يطالب بها العديد من مناهضي الاتحاد الأوروبي، أو شكل التنظيم السياسي المرغوب فيه. فهي تشبه عن كثب «المَلَكية المركبة»، التي قال في حقها المؤرخ، جون إليوت، إنها «النموذج السائد للحكم في القرن السادس عشر، عندما كان لا بد من جمع كيانات منفصلة، مثل أراغون  وكاستيل».
في عام 2014، كاد «الحزب الوطني الاسكتلندي» أن يفوز فعلاً في الاستفتاء الشعبي الذي جرى حول قضية الاستقلال أو الانفصال. ويمكن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن يعزز هذه الاتجاه. كما أنه من المحتمل أن يحفز هذا الخروج مشاعر مماثلة في بلاد الغال وإيرلندا الشمالية. وحتى في شمال إنجلترا، على الأغلب أنه سيتم جذب العديد من الناخبين إلى مزيد من التركيز على الرعاية الاجتماعية في اسكتلندا.
لا تتطابق هذه الانقسامات مع الحدود التقليدية الأوروبية. لننظر إلى الفجوة بين منطقة لندن- التي تشبه على نحو متزايد حاضرة عالمية فائقة- وبقية البلاد..! ومع تدفق المزيد من المهاجرين إلى المملكة المتحدة، فإن ذلك الصدع أصبح واضحاً بشكل كبير. في حين أن مدينة عالمية مثل لندن، يجب أن تكون منفتحة على العالم.
بعدما اعتمد الملك، هنري الثامن، ما سمي بـ«النظام الأساسي» لتقليص تأثير روما، معلناً أن «عالم إنجلترا هذا هو إمبراطوري»- وهو أول تأكيد واضح لفكرة السيادة الوطنية أوروبياً- ونظمت  حملة وحشية للقضاء على الدين القديم. لكن، هذا الجهد لبناء الهوية المركبة الجديدة قد فشل بشكل واضح، مما يترك المملكة المتحدة عرضة للانهيار المحتمل في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

تعقيب وخلاصة..

تعتبر هذه المادة للكاتب، هارولد جيمس، واحدة من المواد الصحفية الكثيرة التي تدق «ناقوس الخطر» حول النتائج التي من الممكن أن تتعرض لها بريطانيا في حال خروجها من الاتحاد الأوروبي. وإن كانت هذه النزعة لرفض الخروج من الاتحاد الأوروبي مدفوعة بمصالح رؤوس الأموال الأوروبية، إلا أن المهم في هذا النوع من الطروحات، أنه يسلط الضوء على أن عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي ليست «عصاً سحرية» من شأنها أن تطمر معها التراكمات التي خلفتها الأزمة الاقتصادية في أوروبا، الأزمة المشتقة مباشرة من أزمة النظام الرأسمالي العالمي، هذا أولاً.
وفي المقام الثاني، تشير هذه المادة إلى عمق الهوة القائمة بين مصالح «البيت الأوروبي»- الاتحاد القائم حتى اليوم على مستوى الارتباط بمرحلة الهيمنة الأمريكية- من جهة، ومصلحة الأوروبيين من جهة أخرى. وكما هو الحال في ألمانيا خصوصاً، فإن هذا النوع من المناقشات، غالباً ما يقود إلى العودة للبحث عن «الهوية» الألمانية، والبريطانية.. إلخ. وهو ما يعيد الحديث في أغلب الأحيان عن تموضع أوروبا، وطبيعة اصطفافها السياسي في هذه المرحلة التي تشهد تغيرات كبرى في المسرح الدولي.