أردوغان يزرع الريح.. هل تحصد تركيا العاصفة؟
خلال الأسبوعين الفائتين، بلغت حدة التصعيد العسكري في المناطق التركية الجنوبية، والجنوبية الشرقية، مستويات غير مسبوقة. حصارات لأحياء عدة، واعتقالات بالجملة، واشتباكات هي الأعنف من نوعها، باتت تضع الاستقرار في الداخل التركي، وعلى حدود الدول المجاورة، في مهب الريح.
في ظل تعتيم إعلامي واسع النطاق، تعيش مدن جزيرة وسور وشرناخ وسلوبي ونصيبين، وغيرها من المدن المتاخمة للحدود التركية مع كل من العراق وسورية، حرب شوارع معلنة، دفعت فيها حكومة «العدالة والتنمية» بالقوات العسكرية لتأجيج القتال ضد التنظيمات الكردية التي تتمتع بحضور فاعل في هذه المناطق.
يبدو واضحاً أن «المناورة الجديدة» التي يخوضها الحزب الحاكم إنما تأتي بعد سلسلة الخسارات التي منيت بها محاولاته الهادفة إلى لجم تراجعه الداخلي، وانفلات عقد العديد من «أوراق لعبه» في المنطقة: إغلاق الأفق في وجه «منطقة عازلة» في سورية، وكبح المشاريع الكبرى التي كانت تعد بالكثير على الداخل التركي، في ظل «الورطة» التي أوقع «العدالة والتنمية» نفسه فيها، بعد إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية، وما أعقب ذلك من قطع شرايين التجارة غير المشروعة بالنفط السوري والعراقي المهرب.
ترتبط «مناورة العدالة والتنمية»، شكلاً ومضموناً وتوقيتاً، مع ما تحاول المراكز الفاشية الدفع في اتجاهه في عدد من بؤر التوتر في المنطقة، وهي، في كونها تمثل «خياراً فاشياً»، فإنها تهدد جدياً بإشعال فتيل نزاع داخلي أهلي متصاعد، يرمي إلى إشعال الداخل التركي، بما يفضي إلى محاولة خلط الأوراق في المنطقة، وعرقلة تظهير الموازين الجديدة التي تثبت أن الارتباط بالمشروع الأمريكي، بات مرادفاً طبيعياً لسلسلة لا متناهية من الأزمات والتورطات التي تتكبدها القوى الأكثر ارتباطاً بهذا المشروع في المنطقة، لا سيما في الرياض وأنقرة.
إن كان خيار العسكرة وزيادة بؤر التوتر قد أثبت فشله في غير مكان، وتحديداً في الدخول العسكري إلى اليمن، حيث قادت موازين القوى الجديدة إلى فتح المسار السياسي كمسار وحيد استدعى انعطافات قاسية أجبرت، ولا تزال تجبر، «الرؤوس الحامية» على الانصياع لها تباعاً، فإن خيارات «العدالة والتنمية» اليوم لا شك في أنها محدودة بسقوف الموازين ذاتها التي تقود «الأمريكي» وحلفاءه للرضوخ إلى معادلات هذا الزمن.