كم بقي من عمر «العدالة والتنمية»؟

كم بقي من عمر «العدالة والتنمية»؟

يخاطر حزب «العدالة والتنمية» بمستقبل الدولة التركية، ويزيد في محاولاته لرفع شحن الجماهير بالشعارات القومجية من جانب، و«الإسلاموية» المتشددة من جانب آخر، ليصاحب هذا الخطاب، سياسات عدائية اتجاه دول الجوار. مما يعني أن الحزب يضع المجتمع التركي- المنقسم تاريخياً بسبب سياسة «ترحيل المشاكل»- أمام خطر انفجار اجتماعي، لا تحمد عقباه.

اتسمت تركيا بالانقسام الاجتماعي- السياسي طويلاً في حقبة الصراع الدولي بين المعسكرين العالميين السوفييتي والأمريكي. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أعطت الولايات المتحدة لتركيا وغيرها مبدأ «ترومان»، وهو شبيه بـ«وعد بلفور»، حيث ضمن «ترومان» لتركيا «حماية» لمضائق البحر الأسود من الوجود السوفييتي، مصحوباً بوجود أمريكي عسكري فاعل، و«إعانات» اقتصادية كبرى لتركيا.
مندريس أضاع الوقت.. ماذا عن أردوغان؟
سرت هذه العملية في عهد رئيس الوزراء التركي الأسبق، عدنان مندريس، الذي عرف عهده بسياسيات اقتصادية ليبرالية منفلته من كل تدخل حكومي بالاقتصاد التركي، مدفوعة بالدعم الأمريكي الذي شكل «توازناً مالياً» جعل النموذج «مستقراً» حتى العام 1960، حيث توقفت الولايات المتحدة عن دعم الحكومة التركية، فانهار «النموذج» الاقتصادي فجأة، مما دفع مندريس إلى إطلاق يد الاستخبارات في تركيا، واعتقال الكثير من الثوريين الأتراك.
ومع ازدياد الضغوط الداخلية، حاول رئيس الوزراء التركي زيارة الاتحاد السوفيتي، هادفاً إلى فتح «خطوط ائتمان» جديدة، في مسعى لتغيير التوجهات الاستراتيجية التركية، قبل أن يقف هذا التوجه، مع الانقلاب الذي أطاح بمندريس وسلطته.
تركيا: اقتصاد «السوق الحر»
كان الأثر الأمريكي في الأسواق التركية عميقاً، وكان الانفتاح على روسيا والاستثمارات في السوق الروسية، التي تقدر بمليارات الدولارات، والتبادل التجاري بحوالي 30 مليار دولار، وسياسة الإقراض بسعر الفائدة المنخفض، هو ما اعتمدت علية تركيا في إدارة اقتصادها بعد «الهدوء الاجتماعي النسبي» الناتج عن انتهاء مرحلة الحرب الباردة.
ومع انفجار الفقاعة الاقتصادية التركية، عانت تركيا الكثير، فأكثر الدول انتكاساً في المنطقة من التراجع الأمريكي هي الدول الأكثر اعتماداً على الولايات المتحدة في الحماية السياسية و«التوازن» الاقتصادي. حيث فرض التراجع الأمريكي، وما يشاع منذ عام عن نية الاحتياطي الأمريكي رفع سعر الفائدة- أي انخفاض قدرات الدولة إلى الولوج للأسواق المالية، على «العدالة والتنمية» الدخول في مأزق كبير.
فشل المشروع «الإخواني»
انتقل «العدالة والتنمية» ليعادي معظم دول الإقليم، تنفيذاً لإملاءات المراكز المالية الأكثر رجعية في العالم، والتي تهدف لنشر حريق يمتد على ساحة أوراسيا كاملة، فبدأ الحزب يرمي ورقة استفزاز تمثلت مؤخراً في إسقاط طائرة روسية في سورية، ليتبعها بتدخل بري في العراق، هادفاً نحو المزيد من الاستفزاز ومحاولات توريط الغير.
الحل السياسي، يعتبر في حال انجازه، ضربة قاصمة للمشروع الغربي والتركي في سورية، وسيقود حتماً إلى استقرار في سورية والعراق، وفي الوقت ذاته، فإن هزائم عسكرية كبرى مثل هذه، وفي ظل عداء مع قطب عالمي صاعد، لن يبقى لحكومة «العدالة والتنمية» أي غطاء يحميها من انعكاسات المستجدات السياسية عليها، مما يدخل الوضع التركي في أحد احتمالين: الأول، تمسك الحزب الحاكم بالسلطة والقوة، أي الانتقال إلى سيناريوهات كارثية لا تقل في خطورتها عن محاولات إحراق الداخل التركي، تنفيذاً لما تريده المراكز الرأسمالية المالية الأكثر إجراماً ورجعية، وإما السيناريو الأكثر ترجيحاً، فهو انتهاء «العدالة والتنمية» في سياق حل مشاكل المنطقة، بحكم أن التاريخ يكتبه المنتصرون، وليس المهزومين في نهاية المطاف.