هل يصفي تحالف «الحزم» بنك أهدافه اليمني؟
مازن نبواني مازن نبواني

هل يصفي تحالف «الحزم» بنك أهدافه اليمني؟

منذ بداية التدخل العسكري في اليمن، عملت الأجهزة الإعلامية الخليجية، والسعودية على وجه التحديد، جاهدة لمنع تسرب الخسائر الفادحة التي تكبدها «تحالف الحزم» في الداخل اليمني، وعلى الحدود الجنوبية السعودية. أما اليوم، فحتى الخطاب الرسمي الخليجي، والدعوات التي يطلقها هذا الخطاب، باتت تؤشر بشكل قاطع على تلك الخسارة الجيوسياسية.

لم تقتصر محاولات الالتفاف على الفشل الذريع الذي أصيب به التدخل العسكري «العربي» في اليمن على التغطية والتعتيم على فشل الأهداف المعلنة منذ بدء عمليات التحالف. لا جماعة «أنصار الله» جردت من سلاحها، ولا الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، عاد لفرض صلاحياته على الأراضي اليمنية كاملة.

في ظل المراوحة في المكان التي أصابت الآلة العسكرية المشاركة في العمليات، ترتفع تدريجياً الفاتورة النهائية لهذا التدخل. على الصعيدين السياسي والعسكري، فضلاً عن المالي المباشر، والخسائر المتلاحقة التي أصابت سوق الأسهم الخليجية، وبتفاعلها مع الفواتير التي يدفعها الخليج، كنتيجة مباشرة لتورطه في ملفات أخرى، يمكن القول إن بلدان الخليج العربي باتت اليوم أمام مفترق طرق، يجبرها على التخلي شيئاً فشيئاً عن السياسات التي اعتادت الانخراط فيها خلال ما يقرب نصف قرن من الزمن.

ثلاثة أطوار للتدخل

ينفتح مسار الحل السياسي في اليمن، كانعكاس مباشر لحجم التورط الخليجي، الذي بات مجبراً اليوم على الانعطاف والتكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية، دون أية أوهام بإمكان تحقيق ضربة خاطفة هنا أو هناك. وانتقل التعامل الخليجي مع هذه المتغيرات في أطوار ثلاثة: في الأول، اعتبرت الدول المشاركة في التدخل العسكري في اليمن أن ضربة سريعة في اليمن من شأنها أن تفتح بؤرة توتر جديدة في وجه القوى الدولية المناوئة للهيمنة الأمريكية في العالم، وبالتالي تأخير عملية تظهير هذا التراجع الذي يعتري منطق الهيمنة السابق. لكن، ومع اصطدام هذه الدول بحجم التناقضات الذي انعكس سريعاً نحو الداخل الخليجي، سواء عسكرياً على الحدود الجنوبية للسعودية، أو من خلال الحوادث الأمنية المريبة التي كادت تودي بملفات هامة أمسك الخليج طويلاً بزمامها، كملف الحج، أو من خلال الخسائر المتلاحقة التي أصابت الاقتصاد الخليجي جراء انخراطه في حرب النفط، على هذا الأساس، انتقل الخليج نحو الطور الثاني في تعامله مع الملف اليمني.

في هذا الطور، اعتقد الخليج بإمكان الخروج الآمن من المأزق اليمني، أي تخفيض سقف التوقعات والأهداف المرصودة في بداية التدخل. وبالملموس، حاولت الرياض تحديداً الانتقال نحو مسار الحل السياسي، مع محاولة التحكم الكامل في مخرجاته المتوقعة، وبعقلية توهمت أنه من الممكن تحقيق الأهداف التي فشلت العسكرة في تحقيقها، بوسائل وأدوات سياسية.

طور «النزول من أعلى الشجرة»..!

اليوم، يشهد الملف اليمني انتقالاً خليجياً نحو الطور الثالث. في هذا الطور، تحاول الدول الخليجية الخروج من المأزق اليمني بأي طريقة، فبالتوازي مع حالة الاستنزاف المستمرة، ومع تصاعد الخطر على الحدود الجنوبية للسعودية، وانتقال الهجمات اليمنية لتطال مراكز قيادة وتحكم سعودية على تلك الحدود، وجد الخليج نفسه مجبراً على إنهاء التدخل.

في البداية، جرى التمهيد للموضوع دبلوماسياً. في أكثر من تصريح إعلامي، أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، «توقعه» بقرب انتهاء التدخل العسكري في اليمن قريباً. ثم انتقلت هذه المؤشرات إلى ساحة الفعل السياسي المباشر، الذي على ما يبدو، انعكس في إيعاز وصل إلى الرئيس منصور هادي كي «يطلب» من الخليج وقفاً لإطلاق النار، تمهيداً لمباحثات وحوار سياسي مرتقب.

من المؤكد أن دول الخليج ستلجأ إلى التغطية على انسحابها من اليمن، لكن، هل من الممكن أن يجري الاتفاق السياسي في اليمن على أساس خنوع كامل ستظهره دول الخليج؟ بالتأكيد لا، فحتى اللحظة الأخيرة، ستعمد الدول المشاركة في العمليات إلى مواربة تراجعها، والترويج بأن كل خيارات النزول من فوق الشجرة، هي «خياراتها الشخصية»، ورغباتها هي.

من جهة أخرى، في حال انتقل اليمن للدخول في مرحلة سياسية جديدة عمادها الحوار والحل السياسي بين الفرقاء اليمنيين، سيبقى أمام الخليج مأزق بنك الأهداف المعلن الذي أطلقه في بداية التدخل العسكري، ذلك ما يدفع العديد من وسائل الإعلام، و«تقاريرها السرية»، إلى الاعتقاد بأن الخليج سيلجأ في نهاية المطاف إلى افتعال حدث أمني «كبير»، تؤدي نتائجه إلى «نزع فتيل التدخل الخليجي في اليمن من أساسه».