الكيان العاجز عن أداء دوره
يواصل الشعب الفلسطيني معركته في وجه كيان الاحتلال، مستنداً إلى اللحظة التاريخية التي تشهد تغيرات في موازين القوى الدولية، التي باتت تسمح بإعادة النظر في وجود الكيان الصهيوني المعتمد، منذ نشأته، على دعم منقطع النظير من المركز الإمبريالي الغربي.
في إحدى تجلياتها، تعبر حركة الشارع الفلسطيني اليوم عن هذا التغير في موازين القوى، حيث تدخل كإحدى المؤشرات المتزايدة على تبدل الوضع الدولي الذي ساد في العالم منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المشهد العالمي ككل منذ ذلك الحين، باتجاه تثبيت وضع دولي جديد تتراجع فيه واشنطن إلى حجمها الطبيعي.
الهزائم أمريكية في الدرجة الأولى
بدت انعكاسات التراجع واضحة، في أحد أوجهها، في طريقة تعاطي الإدارة الأمريكية مع الكيان الصهيوني منذ اضطرت واشنطن لإبداء «التنازل» عن عدد من الملفات التي يضعها كيان الاحتلال في حساباته كملفات وجودية تهدد استمراره بشكل جدي. ففيما ذهبت الولايات المتحدة إلى حل الملف النووي الإيراني، منصاعة لتبدلات الأوزان الدولية، يعيش كيان الاحتلال عطالة المرحلة السابقة، حيث من الصعب عليه إبداء «المرونة» ذاتها التي تبديها المراكز القادرة، بحكم كونها مراكز ذات أجهزة إنذار مبكر، في التعاطي مع هذه المتغيرات.
في المقابل، يعتمد الصهيوني اعتماداً أساسياً على الإدارة الأمريكية، وعلى الجناح الفاشي فيها على وجه الخصوص، وإن كان الدعم يأتيه تقطيراً من غيرها، إلا أن السند الأساسي للكيان يبقى أمريكياً. إذ دعمت واشنطن كيان الاحتلال في اعتداءاته كلها. ويدور الحديث عن أن الفاتورة الكاملة للعدوان الأخير على غزة قد دفعها البيت الأبيض، وهي الحروب ذاتها التي خرج منها الكيان مهزوماً وعاجزاً دائماً عن تحقيق بنك الأهداف الذي وضعه في بداية كل عدوان، فلا أبيدت «كتائب القسام» في العدوان الأخير على القطاع، ولم يسلم «حزب الله» الجنديين الصهيونيين اللذين استخدمهما الكيان ذريعة لحرب تموز 2006 ولا أبيد حزب الله.. الخ.
وبالنظر إلى مدى الدعم المقدم أمريكياً للكيان الغاصب، فمن المحتم النظر إلى سلسلة الهزائم التي مني بها هذا الكيان على أنها هزائم أمريكية في المطاف الأول. هزائم تلقاها البيت الأبيض بالتوازي مع تراجعاته التي أجبر عليها في أكثر من مستنقع دخلت إليه قواته العسكرية بشكل مباشر، أو عبر قوات حلفائه وأدواته في العالم.
فرصة تاريخية
هذا التراجع الأمريكي إذ يتفاقم في أرجاء العالم، وفي المناطق التي يراها مناطق نفوذه الاستراتيجي بوجه خاص، ينعكس على حلفاء وأدوات واشنطن بنسبٍ متفاوتة ترتبط بمستوى التبعية التي تتسم بها هذه الدول. ومن هذا المنطلق، يبدو واضحاً أن نتائج التراجع الأمريكي ليس لها إلا أن تكون كارثية على الكيان الصهيوني الذي يعيش فعلياً على ما كانت تقدمه له الإمبريالية الغربية من أوكسجين للعيش.
وإن كنا نتحدث عن انهيار «إسرائيل» وزوالها، فالحديث هنا يدور، بالدرجة الأولى، عن انهيار الدور الوظيفي للكيان الصهيوني. إلا أن تجليات هذا الانهيار في الداخل الفلسطيني، وشكل تثميره فلسطينياً، محكوم بتصاعد حركة الشارع، وإنجاز عملية التنظيم على أساس مشروع فلسطيني مقاوم وجامع، ما يدفع الأمور باتجاه تحقيق مكتسبات تاريخية للشعب الفلسطيني.