بلغاريا.. تدمير الاقتصاد على تخوم أوراسيا
تشكل دول أوروبا الشرقية مسرحاً واسعاً لعمليات النهب الاقتصادي المنظم، ولا سيما تلك الدول الواقعة على الخط الفاصل بين آسيا وأوروبا، الخط الذي توليه الإدارة الأمريكية أهمية فائقة في مشروع الحريق الهادف إلى منع الوحدة الأوراسية.
في ظل الاتحاد الأوروبي، درج البلغاريون على وصف حياتهم كـ«شخص اشترى تذكرة الذئب، ووقع فريسة له»، حيث تبددت أحلام «الديمقراطية» عندما ترسخت كديمقراطية طبقة المستفيدين على حساب سلطة الشعب.
المركز والأطراف.. تفاوت قاتل
حسب الأرقام الحكومية، يبلغ معدل البطالة في بلغاريا 18% من مجموع قوة العمل، فيما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن الرقم الحقيقي للبطالة يزيد عن ضعفي الرقم المعمم حكومياً، حيث لا يستطيع فرد من كل أربعة أشخاص إيجاد عمل.
ويرتفع معدل البطالة بين عمال وعاملات المطاعم بشكل خاص، والعمال المهاجرين الذين لا يستطيعون إيجاد عمل ثابت، وتصنفهم الحكومة تحت خانة «العمالة غير الماهرة». فالكثير من الشباب يهاجرون من البلاد وخاصة في المناطق الشمالية، التي تبلغ معدلات البطالة فيها 60%، فيما يبلغ متوسط الأجور المنخفضة 400 يورو شهرياً، لا تغطي تكاليف الحياة، ويقدر الحد الأدنى للأجور في بلغاريا بـ 184 يورو شهرياً، بينما يبلغ متوسط الأجور في فرنسا، على سبيل المثال، 2000 شهرياً..!
يقوم صندوق النقد الدولي بإملاء السياسة الاقتصادية في بلغاريا، فارضاً شروطاً قاسية دمرت اقتصاد البلاد. إذ جرى تدمير القاعدة الصناعية لبلغاريا برمتها في إطار سياسة الخصخصة التي لم تسلم حتى الخردة منها، كما دُمرت الزراعة ومنظومة التعليم العالي بالكامل، وخصخصت الجامعات العامة، واستبدلت بجامعات تعطي الشهادات عبر الرشاوى والفساد.
وكان انضمام بلغاريا للاتحاد الأوروبي مفيداً فقط لحفنة من القلة، إذ خدعت الدعاية الغربية البلغاريين بأوهام حول النمو اللاحق لبلدهم، ليجري بعدها تبديد الاقتصاد الوطني، واستمرار مستويات المعيشة بالانخفاض.
«الشروط السرية» للهيمنة الأوروبية
فتح الطريق أمام الهيمنة الأوليغارشية العالمية على بلغاريا منذ «اتفاق واشنطن 1989»، وتفاقمت الأمور أكثر بعد الانضمام للاتحاد الأوروبي، وقيام صندوق النقد الدولي بإملاء سياسات البلاد الاقتصادية.
أصبحت بلغاريا عضواً في الاتحاد الأوروبي في عام 2007، بعد الموافقة على ما درج على تسميته بـ«الشروط السرية». حيث استولى البلجيكيون على خامات البلاد، والفرنسيون على شركات المياه والصرف الصحي، وجرى تحويل بلغاريا إلى مزاد للخصخصة والمناقصات لمصلحة دول المركز الأوروبي، وعجت البلاد بالاستثمارات الأجنبية، بعد بيع الأصول الوطنية للاقتصاد وخصخصة القطاعات الكبرى فيه.
بحلول عام 2013، فقدت بلغاريا 60% من فرص العمل، وهاجر غالبية سكانها، بعدما تحولت إلى «مستعمرة تحت السيطرة السياسية للاتحاد الأوروبي»، فأفضل جمهورية بإنتاج الطماطم توقفت عن إنتاجه وباتت تستورده من تركيا..! وثامن بلد في إنتاج التبغ توقف عن إنتاجه. وبعد توقف الزراعة البلغارية، غرقت البلاد في الفاكهة الهولندية والجبن الفرنسي والفلفل المقدوني والبصل الآسيوي، وأصبحت بلغاريا تستورد 80% من حاجتها للغذاء.
من يسيطر على وسائل الإعلام؟
وفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن 70% من سكان بلغاريا يؤيدون التقارب مع روسيا، لكن دور الإعلام ومراكز الأبحاث و«المنظمات غير الحكومية» المدعومة أمريكياً وأوربياً لا يزال فاعلاً. إذ أن هناك حملة كبيرة في وسائل الإعلام لإقناع الناس بعدم قبول التعاون الروسي البلغاري في مجال الطاقة، بالإضافة إلى محاولات حجب النشاط الاقتصادي الروسي ككل، في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة على مكامن الغاز الصخري، عبر شركة «شيفرون».
المديونية وتراجع التنمية
صدر تقرير المفوضية الأوروبية حول التنمية عشية العيد الوطني لبلغاريا هذا العام، وصنفت التنمية فيها بـ«خلل في الأداء الاقتصادي»، وركز التقرير على الأزمة المالية والمصرفية لعام 2014، وما تسببت به من سحب تراخيص البنوك البلغارية، ووضع الاقتصاد تحت وصاية صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي، كما كشف التقرير أن ديون الشركات تقدر بـ58 مليار يورو، أي أن بلغاريا تحولت إلى صاحب المرتبة العاشرة عالمياً في النوء تحت وطأة الديون السيادية، فيما احتلت بلغاريا المرتبة ما قبل الأخيرة من حيث ترقيم الاقتصاد، وهذا يعني أفقر بلد في الاتحاد الأوروبي بعد رومانيا.