تحديات الاستقطاب.. ولائحة الأولويات
بين صعود العالم الجديد المنبثق (شرقاً)، وانهيار العالم القديم (الغربي) أحادي القطبية، يستقطب العالم كله على أرضية الحراك الشعبي العارم. وبالذات، تُستقطب تلك الدول المركزية في أطراف عالمنا، مثل مصر، وتواجه تحدياتها إما بالبقاء في خدمة مصالح رأس المال، أو التقدم نحو علاقات جديدة- ومن نوع آخر- مع القوى الصاعدة، والتحرر من العلاقات السابقة.
إذا كانت قاعدة الانطلاق في الحالة المصرية هي الحفاظ على الأمن القومي المصري، واستعادة الدور الإقليمي الفاعل لمصر، فلنا أن نتحدث عن مجموعة من التحديات الكبرى، التي ينتظر علاجها تحولاً عميقاً في الخيارات الاستراتيجية.
الأوزان الإقليمية ومكافحة الإرهاب
بعد الاعتراف بحقوق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وما سينتج عنه حكماً من ارتفاعٍ في الوزن الإقليمي الإيراني، تغدو الدول الإقليمية باحثة عن سبل للتقليل من فرق القوة والنفوذ، مع إيران، على قاعدة العداوة أو الصداقة على أساس الاحترام المتبادل والندية.
في سياق متصل، وبالنظر إلى طريقة التعاطي الغربي مع مصر، بوصفها إحدى دول العالم الثالث، فعليها أن تبقى تحت الوصاية والقيود الغربية، وتحت المعاناة التي جلبها المشروع الغربي على المنطقة وشمال إفريقيا عموماً، وصولاً إلى تعزيز الأذرع الفاشية على الحدود مع مصر وفي داخلها.
هنا، يبدو الخيار الاستراتيجي القائل بتعميق العلاقات مع القطب الصاعد، وروسيا خصوصاً، بوابة لحلِّ جملة من التحديات الواردة في هذا السياق، من تطوير صفقات السلاح إلى تأمين احتياجات مصر من الغاز الطبيعي، وضمان حقها في الحصول على الطاقة المجانية، لا سيما عبر المفاعل النووي الكهروذري، أحد مواضيع اللقاء الأخير بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والمصري، عبد الفتاح السيسي في 25 من هذا الشهر.
الاقتصادي- الاجتماعي ودور الفلول
خلافاً للثنائيات الوهمية التي جرى تعويمها في مصر إبان سقوط حكم مبارك، واستلام «النقيض» الشكلي المتمثل في تنظيم «الإخوان» سدة الحكم، تنطلق المعركة الاقتصادية الاجتماعية في مصر، فقط عندما يجري وضع مهمة ضرب نفوذ الفلول كهدفٍ جدي.
وإحدى التجليات العملية لتحقيق هدف الرقي بالأمن القومي المصري، هو تحقيق العدالة الاجتماعية وتثبيت الأمن الاقتصادي، مما يعني المرور حكماً بفرض نموذجٍ اقتصادي مختلف جذرياً عن الحقبات السابقة. وفي هذا الصدد، تجري على ما يبدو معركة جدية داخل جهاز الدولة المصري بين من هو مدرك لضرورة الاتجاه شرقاً، وبين تيار ترسخت جذوره في مصر، منذ حقبة السادات، على أساس الحفاظ على مستوى تبعية محدد للغرب، وهو التيار المستفيد من مجمل الأخطاء الاستراتيجية في السياسة المصرية، لطالما لم توضع مهمة ضربه على لائحة الأولويات.
لعنة «كامب ديفيد»
جاء الإذعان المصري في فترة «كامب ديفيد»، ليشكل اعترافاً ضمنياً من مصر لواقع الميزان الدولي الذي جاء ليعبر عن تراجع الاتحاد السوفييتي واستفراد الغرب في العالم، وأتت سلسلة الانصياعات المصرية اللاحقة للغرب ومطالبه وقيوده لتؤكد على مستوى الضغط الذي طال مصر إبان تلك الحقبة.
وإن كنا هنا نتحدث عن مرحلة ماضية، تجري اليوم عملية ترحيلها وترحيل منطقها في أكثر من بقعة من العالم، وعلى وقع التوازن الدولي الجديد، تغدو المهمة الماثلة أمام النظام المصري هي التقاط التغيرات الدولية والعمل وفقاً لها. وعلى هذا الأساس، تكمن أهمية إلغاء «كامب ديفيد» في هذه المرحلة، على أساس الموازين العالمية الجديدة والضرورات الشعبية المصرية.
في مصر، وفي العالم أجمع، تختلف الاتجاهات بين القوى التي تريد التقدم والاندماج سريعاً في العالم الجديد، القائم على أساس حماية السلم العالمي، وبين القوى التي ترابط على أبواب العالم القديم حماية لمصالحها الخاصة والضيقة. من هذا المنطلق، يغدو الارتفاع في الوزن الإقليمي المصري محكوماً بالعمل على الثلاثية الاقتصادية الاجتماعية والوطنية، استناداً للمصالح العميقة للشعب والدولة المصرية.