تبدلات الأوزان أقوى من «العواصف»

سمح الاستشراف المبكر للتغييرات الحاصلة في موازين القوى الدولية، والتي تتفاعل نتائجها اليوم بشكلٍ ملموس، بالإدراك المبكر لحقيقة أن أقرب القوى للتعرض المباشر للانتكاسات، هي أقربها إلى الولايات المتحدة.

على هذا النحو، ارتقب العالم تبدلاً جديداً في موقف السعودية، لكونها إحدى الأدوات القريبة من واشنطن، ولاعباً رئيسياً في المشروع الأمريكي حتى الآن، وهي التي حافظت على دورها كميناء لإعادة تصدير الفاشية المطلوبة لدى واشنطن لتأمين هامش حركة الأخيرة، بعد  انسداد الأفق في وجه حروبها العسكرية المباشرة، بما يحمله من استحالة توسعها.

في هذا الصدد، شكل المأزق السعودي في اليمن، وهو التورط الذي جُرَّت إليه السعودية أمريكياً، مقتلاً لمنطق التحالفات القديم. هنا، يمكن القول أن التلازم بين المصلحتين الأمريكية والسعودية قد شهد ضربة قاسية، باتت معه السعودية مضطرة، في حال أولت مصالحها العميقة (وهنا يطال الكلام البرجوازيات السعودية أيضاً) أن تغير من استراتيجيتها وسلوكها، وتحجز لنفسها موقعاً في العالم الجديد الجاري بناؤه.

الضربة الأولى تمثلت في الانعكاسات الكبيرة لانهيار أسعار النفط على سوق الأسهم السعودية، مع اقتصادات خليجية أخرى عدة، يضاف إلى الفاتورة المالية العالية التي تدفعها السعودية من مخزون احتياطاتها النقدية في الحروب والصراعات الإقليمية التي تمولها. تلا ذلك الضربة الكبرى التي شهدتها السعودية في قيادتها للتدخل العسكري في اليمن، حيث بدا واضحاً أن الاستهداف الأمريكي من هذا التدخل لم يكن موجهاً لليمن بقدر ما كان موجهاً لاستدعاء تغييرات محددة في الحكم السعودي.

ومع فشل المنطق العسكري في تأمين أي من الأهداف التي وضعها تحالف «عاصفة الحزم» مسبقاً، كإنهاء «التمرد الحوثي»، وإعادة الرئيس اليمني إلى الحكم بالقوة، ومع تغليب منطق الحلول السياسية المشتق من طبيعة التغيرات في الموازين الدولية، لم يعد الحديث عن خروج السعودية من المأزق اليمني مرتبطاً باليمن وحده، بل بات يطال ضرورة الانعطاف الكامل عن المشروع الأمريكي، والانفكاك النسبي في الارتباط به والتبعية له، اللذين لم يعودا يحققان للسعوديين إلا مزيداً من الغوص، إلى حد الغرق، في تناقضات الملفات المفتوحة إقليمياً على الأقل.

 

قد يبدو هذا الانعطاف «مؤلماً»، وغير متوقع، غير أنه غالباً ما يسير على قاعدة: «ليس من المهم كم سيتطلب الأمر وقتاً، إذا كان في النهاية سيحدث»..