لكمة العراق.. في وجه الغزو الأمريكي

لكمة العراق.. في وجه الغزو الأمريكي

استناداً على أحقية المطالب الاقتصادية الاجتماعية، امتدت الاحتجاجات الشعبية العراقية إلى عددٍ من المحافظات والمدن، وصولاً إلى قلب العاصمة بغداد، التي علت فيها الأصوات المطالبة بمحاسبة الفاسدين، ورفض النقص الحاد في الخدمات الناتج عن النهب الكبير.

على الرغم من العمل الحثيث للولايات المتحدة الأمريكية، ومعها منظومة التحاصص العراقي التي شكلتها إبان غزوها للعراق، لتعزيز الفرز العمودي على أسس ثانوية داخل العراق، ولتكريس الانقسامات العمودية طائفياً ومذهبياً وقومياً، إلا أن الاحتجاجات العراقية لا تزال تنجح في كسر هذا الطوق، من خلال طابعها الاقتصادي الاجتماعي الجامع والمباشر إلى حدٍ بعيد، وهو ما يكسر معه جملة واسعة من المحاولات السابقة لفرض «أولويات» أخرى على الناس، على قاعدة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».

من يحمي منظومة التحاصص!

كي تكون مقاربة الوضع العراقي صحيحة، لا بد من الفهم العميق لدور نظام التحاصص وماهيته، بوصفه نتاجاً مباشراً للاحتلال الأمريكي، وامتداداً لسياساته التي رسخها إبان غزوه الهمجي للعراق عام 2003، حيث استمد هذا التحاصص وجوده، وضمن استمراره، بناءً على نمطٍ محدد سابق من الأوزان الدولية والإقليمية، وما يعقبها من خلافات محلية ما بين أقطاب المنظومة الواحدة. وهو ما أمن للنظام أن يبقى بمنأى عن الارتدادات الطبيعية للتناقض الأساسي في الداخل، ما يعني ضمناً، أن الأزمة في العمق، ليست تلك الأزمة التي تبدأ أسبابها من داخل منظومة التحاصص، بل ترجع إلى حالة الانهيار الحاصل في المركز الأمريكي الإمبريالي.

وفي هذا الصدد، فإنه من الطبيعي أن ينعكس الانحدار الأمريكي، في أولى مراحله، وأقساها في آن، على تلك القوى الأشد ارتباطاً به، وهو ما يمثله النظام العراقي المستفيد حتى الآن من زخم الوجود الأمريكي القوي داخل العراق، كنتيجة مباشرة للاحتلال المباشر، وهو أيضاً ما دفعه إلى المضي قدماً في عملية خصخصة وتدمير مؤسسات الدولة، دون حسيبٍ أو رقيب.

وعليه، فإنه، من جهة أخرى، لا يمكن النظر إلى الاحتجاجات الشعبية العراقية، إلا بوصفها انتفاضاً ورفضاً للاحتلال الأمريكي ومفرزاته أولاً، وضمناً منظومة التحاصص. وهنا يبدو الارتباط بين الاقتصادي الاجتماعي والوطني ارتباطاً وثيقاً لا يمكن فكه.

إجراءات حكومية ترقيعية

على وقع المظاهرات وسط العاصمة العراقية، التي شهدت خروج آلاف المحتجين إلى ساحة التحرير, وخروج أمثالهم في مدن أخرى، كالنجف والحلة والناصرية والبصرة وغيرها، مطالبين بحل البرلمان ومجالس المحافظات, تحسست الحكومة العراقية خطورة الحراك الشعبي المهدد لوجودها, بما يحمله من شعارات مركّزة تماماً على فساد المسؤولين الحكوميين المنتدبين عن الكتل السياسية، المتسترة بالعباءات الطائفية، بدون استثناء، من بينها لافتات كتب عليها: «المتحاصصون هم سرّاق العراق», و«داعش ولد من رحم فسادكم»، و«العراق طائفتي».. إلخ, ما دفع برئيس الحكومة، حيدر العبادي، إلى إعلان وعود «الإصلاح» على المستوى المالي والسياسي، في كلمة ألقاها أمام مجلس الوزراء، بعد يوم واحد من اندلاع الاحتجاجات. 

تلا ذلك تصويتٌ بالإجماع في مجلس الوزراء على ورقة «الإصلاح» التي قدمها العبادي, تضمنت «توجيهات» بفتح ملفات الفساد السابقة والحالية، تحت إشراف لجنة عليا تعمل على مبداً «من أين لك هذا؟», إضافة إلى إصدار قرار فوري بتقليص شامل لإعداد حمايات المسؤولين كلهم، بما في ذلك الرئاسات الثلاث والنواب والدرجات الخاصة, وإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، ونواب رئيس مجلس الوزراء، فيما لاقى رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، ورقة العبادي بورقة موازية مكملة, مؤكداُ أنه «لا توجد مؤسسة أو جهة في العراق بمنأى عن عمليات الإصلاح التي أعلنتها الحكومة والبرلمان».

إن كان النظام العراقي قد لجأ إلى أولى خطوط دفاعه المتمثلة بـ«الإصلاح»، بما يعنيه من تغييرات شكلية في إطار النظام القائم، فإن مستوى الحركة الشعبية، وتزامنها مع ظرفٍ دولي وإقليمي يخرج فيه «الأمريكي» مضروراً في أغلب الملفات المفتوحة عالمياً، يفتح الباب أمامها لرفع سقف مطالبها، وصولاً للإجهاز على منطق التحاصص، بما يحمله من ضربة أخرى للولايات المتحدة وأتباعها في العالم.