حراك العراق أزمة النظام تتمدد

حراك العراق أزمة النظام تتمدد

احتجاجاً على الوضع الخدمي ووصول الفساد الاقتصادي في العراق إلى مستويات غير مسبوقة، خرج الآلاف من المواطنين العراقيين في مدن البصرة وبغداد وغيرها في مظاهرات هي الأولى من نوعها منذ عقود. مظاهرات حملت مطالب وهموم الشعب العراقي، بمعزل عن الانتماءات الثانوية.

تصاعدت تلك الاحتجاجات بالتوازي مع توسيع تنظيم «داعش» لسيطرته على مناطق متتالية من العراق، اعتماداً على لا جدية «التحالف» الأمريكي في استهدافه، وعلى الفشل الذريع لحكومة المالكي سابقاً، وحكومة العبادي حالياً، في التعاطي مع هذه الظاهرة الفاشية. ويضاف إلى ذلك، عوز هذه الحكومات وعجزها عن تحقيق الحد الأدنى لمعيشة المواطن العراقي.

بعيداً عن نقاش الجزئيات، يمكن القول اليوم: إذا كان نظام التحاصص الطائفي والتقسيم الفدرالي في العراق هو ابنٌ لتلك المرحلة السابقة التي كانت فيها الولايات المتحدة قطباً أوحد في العالم، فإن التغيير الجاري في موازين القوى الدولية اليوم، والمتسم بظهور قطب عالمي جديد يبحث عن السلام والمصلحة الاقتصادية المشتركة لدول المنطقة والعالم، سيؤكد أن سمات المرحلة السابقة لن يقدر لها الاستمرار وفق الظرف الجديد.
الضربة وتناسبها مع ميزات الدولة
ما كان للعراق- صاحب ثالث أكبر احتياطي نفطي بالعالم، والذي ينتج 3 مليون برميل من النفط يومياً، ولديه نهرا الفرات ودجلة، ومخزونٌ هائل من الغاز- أن يصل إلى الحضيض، لولا الاحتلال الأمريكي له، وتقسيمه وتشكيل نظام التحاصص ذا الصبغة الطائفية فيه، فيما كانت خطوة حل الجيش العراقي عام 2003، هي الضربة الأقوى التي تلقاها العراق، لأنها منعت عملياً القوى الوطنية العراقية من امتصاص صدمة الاحتلال، وسمحت لقوى النهب بالسيطرة عليه.
«عشرون عاماً».. ماذا تعني؟
تروج واشنطن، عبر أقنيتها المختلفة، إلى أن معركتها «للقضاء» على «داعش» تحتاج إلى فترة زمنية تمتد من عشرة إلى عشرين عاماً. بطريقة أخرى: يحتاج المحتل الأمريكي- الذي أسقط الدولة العراقية بغضون أقل من عشرين يوماً- للحفاظ على «داعش»، بالتوازي مع الحفاظ على منظومة النهب العراقية، حيث تمثل هذه المنظومة خط الدفاع الأول عن «داعش»، بوصفها منظومة متآكلة لا قوة لها على توحيد كلمة العراقيين ضد البيادق الفاشية، فيما تجسِّد «داعش» الأداة الفاشية المثلى لمخطط تفتيتي جديد.
ما بعد الطرح الروسي.. استعصاء أمريكي
ليست الاستراتيجية الأمريكية سوى استمراراً لعقلية التفرد في مصير العالم نفسها، دون الالتفات للقوى العالمية الجديدة الصاعدة. لكن هذه الاستراتيجية بدأت تتغير تحت ضغط الموازين الدولية المتغيرة، وانعكاسات ذلك إقليمياً في إمكانية تشكيل تحالف إقليمي لمكافحة الإرهاب، في إطار المبادرة الروسية الجديدة التي نشأت عن طلبٍ سعودي. وهذا ما يعني عملياً الخروج عن المخطط الأمريكي، حيث تستطيع روسيا، بوزنها المتصاعد، دفع القوى «المتخاصمة» إقليمياً نحو إعادة تقييم وضع المنطقة، وتغليب الطابع السياسي لحل الأزمات.
وعلى وقع الحراك الشعبي المتسع في العراق، ترتفع إمكانيات إنهاء ظاهرة «داعش»، عبر الإجهاز على المخطط الأمريكي الذي تلعب في داخله دوراً وظيفياً محدداً، ذلك أن التظاهرات العميقة المطالبة بالتغيير والعدالة في العراق، والتي اتخذت لها منحاً وطنياً جامعاً بعيداً عن العصبيات الفئوية والثانوية، من شأنها أن تتحول إلى شرارة رئيسية للقضاء على نظام التحاصص ومخلفات الاحتلال في آن، بناءً على التغيرات الكبرى العامة في الموازين الدولية.