نفايات «الطائف» وأزمة الحكم
خلال الأسبوعين الماضيين، تجلى الاستعصاء المستمر في تركيبة الحكم اللبناني بتفاقم أزمة النفايات في بيروت ومجمل المحافظات اللبنانية، ليضاف ذلك إلى سلسلة طويلة من الملفات التي تركها نظام التحاصص رهينة لقيود «الحكم التوافقي».
يكمن جوهر الأزمة في كون لبنان بالأصل «مستعمرة على الطراز الحديث»، هذا «لبنان الكبير» الذي جرى نزعه قسراً عن محيطه الحيوي، وتحويله إلى «مصرف كبير»، وساحة مفتوحة على مصراعيها للتبعيات الإقليمية والدولية، وتفريخ الزعامات السياسية على أسس طائفية ومناطقية وقومية، بالتوازي مع المحاولات المحمومة لزرع الوهم في عقول اللبنانيين بأن لديهم «دولة»، و«دولة مستقلة» أيضاً..!
منذ ترسيخ بنيان المحاصصة في اتفاق «الطائف» عام 1989، عملت الطبقة السياسية الحاكمة على خصخصة قطاعات الدولة كلها (على الرغم من ضآلة القطاعات التي كانت موجودة بالأصل)، من مصانع تعبئة وتنقية المياه، إلى الإجهاز على قطاعي الكهرباء والاتصالات، وصولاً إلى جعل أبسط المهام، كتنظيف الشوارع، مخصخصة..! فيما لم تتورع الطبقة السياسية الحاكمة، المختلفة شكلاً على كل قضايا لبنان والمنطقة، عن الإجهاز على كل حركة طبقية وطنية معادية لمنظومتها وضربها، ولنا في حراك «هيئة التنسيق النقابية» مثالاً..
ما ينبغي فهمه أن لبنان- وتركيبته السياسية بكل أقطابها- يستمد بقاءه ويجدد دورة حياته وتوازنها، اعتماداً على نمطٍ محدد من الخلافات الإقليمية وعلى نوعٍ معين من التوازنات الدولية. ويعني ذلك، بشكلٍ أو بآخر، أحببنا أن نهضم ذلك أم لا، أن تغير الأوزان العالمية، وما يجرفه معه من معظم الخلافات الإقليمية، يستوجب إعادة النظر في كل الحصيلة التي ثبتتها «سايكس بيكو» في المنطقة، وضمناً لبنان. إلا أن الوصول إلى حل «المعضلة» اللبنانية، في إطار حل شامل لوضع المنطقة، سيبدأ أيضاً بانتصار القوى الوطنية والشعبية على بقايا ومستحاثات «سايكس بيكو»، كحصيلة إضافية للوضع الجديد دولياً وإقليمياً.