نفاذ الأوكسجين الأمريكي.. التحاصصات تختنق
ينعكس التراجع الأمريكي المتسارع في المنطقة، ليس فقط على الأطراف الإقليمية الوازنة الحليفة للغرب، كالسعودية وتركيا، بل على كل العناصر والقوى والسياسات، الصغيرة منها والكبيرة، التي تكونت في مرحلة الهيمنة الأمريكية على الساحتين الدولية والإقليمية منذ عقود عدة.
يمكن تلمس هذا الأمر بنحو واضح في البنى السياسية التي مثلت تجلياً واضحاً «للنموذج» الأمريكي المصدر إلى منطقتنا، وتحديداً نظاما المحاصصة الطائفيين في لبنان والعراق. فاستمرار الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية في هذين البلدين، كنتيجة مباشرة لطبيعة نظام الحكم فيهما، وبنحو مستقل جزئياً عن التحولات العاصفة في البلدان المجاورة، كان يجعل الربط بين ما يجري فيهما، وبين موازين القوى الدولية والإقليمية مسألة معقدة. إلا أن هذه المسألة بالذات بدأت في الآونة الأخيرة تأخذ منحى أكثر وضوحاً.
كان لصعود الحركة الشعبية في منطقتنا منذ بضعة سنوات أثراً كبيراً على الوضع السياسي والشعبي في لبنان والعراق، كبلدين عانيا ليس فقط من النهب الكومبرادوري والهيمنة الدكتاتورية للأنظمة التابعة على الحكم، ومن التراجع على المستوى الوطني، كما هو الحال في بقية البلدان العربية، بل ومن الاحتلال والتدخلات العسكرية المباشرة، سواء من الكيان الصهيوني أو الولايات المتحدة، بالإضافة إلى العمالة الموصوفة للطبقات السياسية الحاكمة. في العمق، فإن القوى الوطنية والشعبية في هذين البلدين كانت تجد نفسها جديرة بإنجاز التحولات المطلوبة أكثر من غيرها، نظراً لظرفها الخاص. هذا الأمر برز في الكثير من الاحتجاجات والتحركات على الأرض، التي وئدت لحظة ظهورها، نظراً للظرف الخاص ذاته الذي ابتلي به البلان، والمقصود هنا هو مستوى التحكم العالي للطبقات السياسية الفاسدة والمدعومة غربياً في تفعيل التناقضات الثانوية وتشويه شكل التحركات الشعبية ومضمونها.
الجديد اليوم، هو بداية انحسار النفوذ الأمريكي، متمثلاً بالظرف الملموس في انطلاق قطار التسويات السياسية في الملف السوري والليبي واليمني، وبروز الدور الروسي كعامل تأريض للتفجيرات الأمريكية في المنطقة. المتابع بات يلحظ اليوم التزامن بين هبوب رياح الحلول السياسية وبين تصاعد الأزمات في لبنان والعراق، من أبسطها حتى أعقدها، من «ملف» النفايات في لبنان، حتى احتجاجات البصرة ضد الغلاء والكهرباء. فهل بدأ الأوكسجين الأمريكي بالتوقف عن قوى الفساد والطائفية في البلدين؟!