المتراجعون و«غشاوة» الصورة

أعادت جملة التوترات التي شهدها الأسبوع الماضي، من تقدماتٍ ميدانية لقوى الفاشية الجديدة في العراق وسورية إلى التطورات في شرق أوروبا، الحديث عن «إمساك الولايات المتحدة بزمام المبادرة» وانتقالها إلى هجومات جديدة، بما يؤدي بأصحاب هذا الطرح إلى إنكار تراجع الولايات المتحدة.

لا يستوي تقدير التبدلات الحاصلة في الأوزان الدولية انطلاقاً من ردود الفعل على أحداثٍ آنية ومرحلية، بل يجري ذلك بالاعتماد على محصلة صراع القوى الدولية، والاتجاه العام لذلك الصراع.
في هذا الصدد، راكمت السياسات الأمريكية، منذ العام الماضي خصوصاً، الفشل تلو الآخر، في أوكرانيا وسورية واليمن وغيرها من البلدان التي لم تنجح فيها الولايات المتحدة بتثبيت مشاريعها، ما يجبرها على الالتحاق بركب الحلول السياسية، من زاوية أهدافها هي.
تراجع الإمبريالية العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، له أسبابه الموضوعية، والتي تتمثل بالأزمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، التي باتت تعترف فيها أكثرية الأوساط الأمريكية، حتى تلك المحسوبة على الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)، بمقابل صعود قوى دولية أخرى، أنهت حقبة الأحادية القطبية بمعظم تجلياتها.
وإن كنا نتحدث عن التراجع الأمريكي المحتم، إلا أن ذلك لا يعني بحالٍ من الأحوال أن الولايات المتحدة قد رفعت الراية البيضاء، ولا يعني أن قائمة أهدافها العالمية قد نفدت، بل إن مضمون التوجه الاستراتيجي العدائي الأمريكي ما زال قائماً، وما زالت مهمة إنجازه موضوعة على طاولة بحث الفاشيين الأمريكيين الجدد، لكن حوامل فشله باتت أكثر متانة، حيث يواصل «الأمريكي» تدخلاته السياسية والعسكرية غير المباشرة، وسيستمر بفتح جبهات جديدة- ولاسيما على تخوم «أوراسيا» وبلدان «الشرق العظيم»- طالما أتيحت له الفرصة، للإبطاء من وتيرة تراجعه دولياً.
إن نظرة سريعة إلى البلدان التي يحاول المشروع الأمريكي المرور فيها، تؤكد أن أهم عوامل مروره تمثلت في وجود البيئة الملائمة له، من واقع انخفاض مستوى العدالة الاجتماعية، وارتفاع معدلات الإفقار والتهميش، مروراً بالمستوى المتدني من الحريات السياسية وتصاعد الاستياء الشعبي.
إن الحديث عن تحول ميزان القوى الدولي في غير المصلحة الأمريكية لا يعني الركون إلى مآلاته ونتائجه، بل يقع على عاتق الشعوب المتضررة وقواها الوطنية الحية والحقة، التقاط اللحظة، والاستفادة من الظرف الجديد في سبيل مواجهة «الأمريكي» وأدواته الفاشية، وممثليه في الداخل، أمراء الحرب والفساد، بالدرجة الأولى.