المستقبل الأفريقي: «إيبولا» أم «بريكس»؟
شكلت دول غرب أفريقيا، من السنغال إلى نيجيريا، مروراً بساحل العاج، نقطة تجارية عالمية هامة. ورغم أن هذه البلاد تختزن في داخلها ثروات طبيعية كبرى، إلا أنها من أفقر دول العالم، إذ يعيش بعضها، كالنيجر التي تضربها المجاعات، على المساعدات الخارجية بشكل شبه كامل..
تاريخياً، رزحت دول غرب أفريقيا تحت السيطرة العسكرية الفرنسية بشكلٍ رئيسي، والبريطانية بمستوى أقل. وبعد الحرب العالمية الثانية، لم يُستتبع الانسحاب العسكري الفرنسي من تلك الدول لبناء استقلاليتها الذاتية، حيث لم تنجز عملية التحول والتطور الاقتصادي- الاجتماعي داخلياً، ما رسَّخ حالة متفاقمة من التبعية للغرب.
الإرهاب والأزمة الرأسمالية
تحولت المنطقة تباعاً، نتيجةً للإهمال الداخلي والسيطرة الغربية، إلى منطقة للجريمة المنظَّمة والاتجار بالبشر، ومرتعاً للتنظيمات الإرهابية التي جرى إعدادها في مراكز القرار العالمية الكبرى. وبهذا، تحوَّل سكان هذه المنطقة إلى خزانٍ بشري، جرى استغلاله لتسيير التجارة السوداء، التي تشكِّل اليوم أكثر من 30% من حجم التجارة العالمية.
بعد اشتداد الأزمة الرأسمالية، وتراجع القدرة على ضبط مستويات الجريمة والتجارة السوداء (التي تشكل حجر زاوية في الاقتصاد الرأسمالي، كونها تخلق متنفساً له) شهدت الحركات التي اتخذت لنفسها طابعاً «جهادياً» نقلاتٍ نوعية، متسلحة بالأيديولوجيا التي تخفي ورائها المليارات من الدولارات الناتجة عن التجارة السوداء.
تنشط في غرب أفريقيا حركتا «أنصار الدين» و«الجهاد والتوحيد» في مالي، وتنظيم «القاعدة» في المغرب العربي، فضلاً عن «بوكو حرام» في نيجيريا. ومع تفاقم التراجع الغربي، وانعكاسات ذلك على تقدم أذرعه الفاشية في غرب أفريقيا، تدخلت فرنسا عسكرياً «ضد» حركة «الجهاد والتوحيد» في مالي.
لجهة التوقيت- فضلاً عن التحليل والمعطيات- لم يكن التدخل الفرنسي في مالي «بريئاً»، حيث تزامن هذا التدخل مع تصاعد بوادر التنسيق بين دول غرب أفريقيا لمواجهة خطر «الجهاد والتوحيد». فأمنت فرنسا بذلك بقاءً عسكرياً لها في منطقة هامة من العالم، ومنعت، في الوقت عينه، عوامل نهوض تلك الدول، كمن يمنع كسيحاً من الوقوف.
«إيبولا» والإفلات من الغرب
لعب انتشار الأوبئة في غرب أفريقيا، كفيروس إيبولا حديث النشأة (وربما ذو النشأة المصنَّعة)، دوراً بالغ الأهمية في الإبقاء على مستوى محدَّد من التطور فيها. فعندما انتشر هذا الوباء، قامت الدول الأوروبية بتطويق هذه الدول وفرض قيود على العلاقات والتبادلات التجارية معها، في وقت عملت فيه روسيا والصين، بشكلٍ جدي، عبر مراكزهما البحثية لإيجاد مضادات هذا الوباء وغيره.
يختزل الحديث عن «إيبولا» في طياته جميع الممارسات والتوريطات الغربية في هذه البلدان، من الحروب إلى المجاعات والأمراض، وصولاً إلى التضييق الاقتصادي عبر خلق مؤسسات اقتصادية (كالبنك المركزي لدول غرب أفريقيا «BCEAO») وظيفتها الأساسية تطبيق وصفات المؤسسات الدولية التي تعمل وفق المصلحة الأمريكية بالدرجة الأولى.
إن التأثير الكارثي لسياسات الغرب على المنطقة الغربية من أفريقيا، يجعل تلك الدول، التي نظَّمت نفسها سابقاً في اتحاد اقتصادي ومالي حمل اسم «UEMOA»، محكومة، إذا ما أرادت الخروج جدياً من واقع التردي الاقتصادي- الاجتماعي، بالتوجه شرقاً، أي نحو محور «بريكس» وما يدور في فلكه، وهي التي بأمس الحاجة إلى مشاريع تنموية حقيقة والاستثمار في بناها التحتية وتعزيز دور أجهزة الدولة فيها.