الهامش الأمريكي يضيق.. أكثر فأكثر!
جاءت جملة الأحداث التي أعقبت غزو «الناتو» لليبيا، والتي حُدِّدت بدايتها بالفيتو الروسي- الصيني، لتدفن معها مرحلة الاستفراد الأمريكي في العالم، ولتجسِّد مرحلة جديدة، سِمتها الرئيسية هي التعددية القطبية في ظلِّ تراجعٍ أمريكي مستمر.
بالتزامن مع بداية الصراع الدولي، بوجهه الجديد، انفردت أدوات الاشتباك لدى القطبين. وبينما وجدت الولايات المتحدة في مواصلة نهج الحريق، بطرقٍ جديدة، أداةً ناجعة لها (حيث أجبرها تراجعها على افتعال مجموعة واسعة من الحروب البينية، عوضاً عن التدخلات العسكرية المباشرة)، ومعتمدةً في ذلك على الثغرات التي فتحتها لها أنظمة القمع والنهب، كان إطفاء تلك الحروب البينية منهجاً ثابتاً لدى الأطراف الصاعدة.
مرَّ العالم، خلال السنوات الأربع الماضية، بمراحل استطاعت خلالها الولايات المتحدة أن تستفيد من هوامش المناورة التي كانت مفتوحةً أمامها، تبعاً لدرجة تراجعها آنذاك، ما سمح لها بإشعال العديد من الجبهات الجديدة في العالم. إلا أن سرعة تراجعها من جهة، وجدية القطب المقابل في لجمها من جهةٍ أخرى، قد ضيَّقا فعلياً من هامش المناورة ذاك. هذا ما يعبَّر عنه اليوم بتسريع عمليات الحل السياسي في الجبهات المشتعلة، من سورية التي تشهد تجهيزاً لمؤتمر «جنيف3»، إلى أوكرانيا التي حملت مجرياتها ملامح التفافٍ أوروبي إلى غير سكة واشنطن، وصولاً إلى اليمن التي لم تدم المغامرة الأمريكية- الخليجية فيها طويلاً، ما ساهم بنجاح القوى الصاعدة في تثبيت أرضية الصراع التي تريدها على أساس سياسي سلمي، وبما يفتح المجال أمام العملية السياسية، حتى في ليبيا التي تحضرها واشنطن لتكون منطلقاً للفاشية الجديدة.
تشير جملة المعطيات السابقة إلى أن عملية التراجع الغربي باتت تتسارع أكثر فأكثر، وأن تسارعها هذا يترافق مع ضيقٍ بات واضحاً في هوامش المناورة الأمريكية، في مقابل انفتاح الأفق أمام القوى الصاعدة على الصعيد الدولي، بما يعزز بالتالي الإمكانات المتاحة أمام قطب الشعوب للمضي قدماً في مسارات الحلول السياسية المطروحة، والتي بات التراجع الأمريكي يزيد من إمكانية دفعها نحو مخرجات حلول حقيقية تساعد في تحويل أمال الشعوب بعالمٍ أفضل من حلمٍ إلى حقيقة واقعٍ ملموس.