وفشلت أمريكا! طريق العسكرة مغلق
بعد فشلها في توريط بعض الدول المشاركة في «عاصفة الحزم» للانزلاق نحو تدخل بري في اليمن، سحبت الولايات المتحدة ورقتها العسكرية من الحرب اليمنية، مبقيةً على أهدافها التي ستحاول فرضها سياسياً.
يحتوي العنوان الذي تم اختياره لتغليف التراجع، وهو «إنهاء عاصفة الحزم وبدء عملية إعادة الأمل»، معنىً سياسياً مهماً، القصد منه بأن الولايات المتحدة وأدواتها، وإن لم تنجح في فرض مخرجات العملية السياسية اليمنية وإملاء شروطها على اليمن عسكرياً، فإنها ستواصل تدخلها في الشأن اليمني سياسياً.
موجة المبادرات/ التدخلات
لم تتوقف المحاولات الأمريكية- الخليجية، للتدخل بالشأن الداخلي إبان الحراك الشعبي عام 2011، فمنذ ذلك الحين عمل المتدخلون على فرض توجهاتهم على الشعب اليمني، وتجسدت ذروة التدخل في «المبادرة الأمريكية- الخليجية» عام 2014، والتي كانت مدخلاً لتقسيم اليمن، وتفتيته، وقبل ذلك كانت «المبادرة الخليجية» الأولى شكلاً من أشكال التدخل الخارجي، فُرِض فيها على الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، أن يتنحى، دون أن يعني ذلك تحقيق أي من المطالب السياسية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية لدى الملايين من اليمنيين الذين نزلوا إلى شوارع صنعاء وغيرها. تلا ذلك، تدخل جماعة «أنصار الله» والجيش اليمني في مواجهة مشروع «المبادرة» تلك.
رد انتقامي وتدخل عسكري
أدى التدخل العسكري إلى خسائر بشرية، قدرتها الأمم المتحدة، بقرابة ألف قتيل، وتدمير واسع للبنى التحتية المدينة والعسكرية اليمنية، إضافة إلى حصارٍ اقتصادي جعل 12 مليون يمني بحاجة للمساعدات الإنسانية الأساسية. وتحت هذا المسمى، تعمل قوى التدخل لفرض وزنها على اليمن، عبر بوابة المساعدات الإنسانية المسيسة. ومن هنا، أوقفت هذه الدول تدخلها العسكري في اليمن، لكنها لم ترفع حصارها. ولاستكمال هذا الحصار، أرسلت أمريكا حاملة طائراتها وبوارجها إلى خليج عدن.
فشل ذريع و«جوائز ترضية»
كانت الخطة الرئيسية الأمريكية في اليمن هي ترسيخه كنقطة مشتعلة، في إطار عملية توسيع رقعة الحريق العالمية، في هدف واحد، وهو تأخير عملية تراجع الوزن الأمريكي، ومحاولة رفعه، حيث لن تكل الأدوات الأمريكية عن التدخل في اليمن، ومن بوابات عدة، بهدف حرقه والتحكم بمسارات الأمور فيه، وعلى ما يبدو فالبوابة الجديدة الآن هي الملف الإنساني وقضية الحصار الاقتصادي المفروض من الولايات المتحدة، بعتادها وعديدها، على الشعب اليمني.
من جهتها، تملك روسيا أداة أخرى للمواجهة. ولهذا، هي تدعم الحوار السياسي في اليمن، وتعلن استعدادها لتكون وسيطاً نزيهاً في المفاوضات بين أطراف الأزمة، إذ أنها معنية بسلامة اليمن. وهنا تخرج العديد من التحليلات التي تلقي الضوء على احتمالات ضغط سياسي لعبه محور «بريكس»، ما حال دون مشاركة فاعلة لدول مثل مصر وباكستان في تحالف «الحزم».
روسيا لوحدها أو أمريكا وروسيا
تعني الوساطة، بالمعنى السياسي، أن دولة بعينها، لديها وزن و«تمون»، بشكلٍ أو بآخر، على أطراف أزمة، تستطيع الضغط على المتحاربين للجلوس على طاولة مفاوضات وتقديم تنازلات مشتركة.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، استفردت أمريكا بـ«حل» أو تعميق الأزمات العالمية، وفرضت شروطها على أغلب دول العالم، وظلت كذلك حتى الفيتو الروسي- الصيني في مجلس الأمن بخصوص الأزمة السورية. وهنا، اتضح أن وسطاءً جدد عالميون قد قدموا أنفسهم لوضع مقارباتهم الخاصة لحل الأزمات العالمية، معتمدين أسلوب الحوار.
إن ابتعاد أمريكا عن المسارات السياسية، ولجوئها إلى الخيارات «الحربجية»، يعني أنها تنأى بنفسها عن المسار الوحيد المتاح في أزمات العالم، أي إنها تسرِّع عملية التراجع في وزنها بيدها، لذلك فهي، الآن، مضطرة للقبول بالمشاركة في عمليات الحل السياسي التي تقدمها قوى السلم العالمي، المتمثلة في روسيا وحلفائها. وإن كانت ستعمل على تخريبها، لكنها مضطرة للقبول في إطار العملية ومنطقها. ففي اليمن، إما أن تنحو نحو الوسائل السياسية، أو تخسر كل وزنها هناك، وتكون الساحة إلى حد كبير للقوى الصاعدة، بحكم أنهم يتماشون موضوعياً مع الموازيين الدولية.