«بين قصفين».. زمنان ومتغير واحد!
اثنا عشر عاماً انقضت منذ اقتنصت أمريكا فرصة بروزها كقوة عظمى لا منازع لها دولياً لغزو العراق. قلائل فقط من استطاعوا، بين غباش القنابل الدخانية، أن يستشرفوا أنها وإن ظهرت بمظهر المتقدم في حينه، فإنها تعيش اختناقاً حاداً يستدعيها للتنفس من رئة الحرب.
انقسم العالم في حرب (غزو العراق) بين القوى الدولية التي جيَّشت للحرب، كأمريكا وبريطانيا وإسبانيا، والدول التي رفضت الحرب الأمريكية ودعت إلى «فرصة حقيقية لتحقيق السلام» مثل روسيا وألمانيا وفرنسا. غير أن موازين القوى في حينه كانت ما تزال تميل لصالح الحلف الأمريكي، فكان أن أخذت بغداد على عجلٍ، رغم إعلان هانس بليكس، كبير المفتشين الدوليين في حينه عن تعاون العراق مع الخبراء الأمميين، وقيام النظام العراقي بتدمير صواريخ «صمود2». وأعلنت إدارة بوش بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على غزوها أن «المزاعم القائلة بأن العراق حاول الحصول على اليورانيوم من دولٍ أفريقية لم يكن هناك ما يثبتها!»، لتبقى الحقيقة الأساسية هي انتقال العراق من حكم الطغاة إلى حكم الغزاة.
اليوم، انقلب واقع الحال مع نهوض قوى جديدة في المشهد الدولي. لم تعد معه أمريكا الشرطي المتحكم بالعالم، وهذا ما انعكس في الداخل العراقي لغير صالح الأمريكيين.
الآن، يخوض الجيش العراقي، الذي لم تتوقف روسيا عن مده بالسلاح اللازم، ومع قوى محلية حليفة له، حرباً معلنة ضد قوى الفاشية الجديدة المدعومة أمريكياً بوجهها «الداعشي»، حيث يجري القضاء على أسطورة «داعش» التي عمل الإعلام الغربي على رسمها وترسيخها مطولاً، وبات الجيش العراقي قاب قوسين أو أدنى من تحرير تكريت. هذه الحالة اضطرت أمريكا إلى التدخل بشكلٍ مباشر وقصف تجمعات للجيش في الرمادي وبيجي، ما أسفر عن استشهاد العشرات من جنود الجيش فضلاً عن جرح المئات، إنقاذاً لصنيعتها الفاشية.
قصفت أمريكا بغداد وغزتها عام 2003 في ظرفٍ دولي كانت فيه تتربع على عرش القوى الدولية وتهيمن على العالم، وتقصف الجيش العراقي اليوم في ظرفٍ دولي آخر، يسير، مهما حاول البعض نكران ذلك، إلى غير المصلحة الأمريكية الغربية.