طوبى للخيار الثالث.. الأول!
في كلِّ معركة شنتها الإمبريالية الغربية على شعوب المنطقة، تحت شعاراتٍ وحججٍ شتى، كان يجري، دائماً، «تخيير» تلك الشعوب بين بلوى الدكتاتورية والقمع والإفقار، و«نعيم» صواريخ «الكروز» والتفتيت الذي يعيد إنتاج الدكتاتورية والقمع والإفقار بأشكالٍ أكثر جذرية.
كثيرة هي مقالات الرأي والأبحاث والدراسات التي دأب الليبراليون العراقيون والعرب على ترويجها حول نظرتهم لعراق «ما بعد صدام». في عام 2003، تكرَّرت كلمة «الديمقراطية» آلاف المرات في أدبياتهم، حتى باتت معادِلاً للدبابة والإرهاب الأمريكي في عقول الملايين من شعوب منطقتنا. حيث حاول أكثرهم «خجلاً» تغليف تأييده الغزو الأمريكي الهمجي للعراق بترهاتٍ سعت إلى إقناع الرأي العام بأنه «علينا السماح لأمريكا بإسقاط صدَّام، وبعد ذلك نتكفَّل نحن بإخراج أمريكا». ليتحوَّل أصحاب هذا الرأي، بعد ذلك، إلى صغار المنفذِّين للمشروع الأمريكي في العراق.
في المقابل، لم تكن الطروحات القائلة بوجوب الوقوف إلى جانب الدكتاتورية وسلطة التهميش الاقتصادي، الممثَّلة آنذاك بحكم الرئيس العراقي السابق، قليلة. كان أصحاب هذه الطروحات ينطلقون من وجود الخطر الخارجي- الذي مهد النظام العراقي نفسه بخلق الثغرات المناسبة لولوجه إلى العراق- لتبرير تخندقهم إلى جانب قوى النهب والتبعية للغرب في العراق. ولم يكن نصيب هؤلاء إلا التشرذم بين معتكفٍ ومُلاحَق أو مقاتلٍ إلى جانب الميليشيات التي تعاظم نموها في العراق (وفق مقتضيات المشروع الأمريكي) حتى بات تعدادها بالمئات.
اليوم، ومع الفشل الذي أصيبت به الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد العالمي، وانكسارات مشروع الحريق الذي تقوده، وانعكاسات ذلك في الداخل العراقي بتنامي تحطيم أسطورة «داعش» التي جرى تهويل سيطرتها على مساحات شاسعة من العراق، تتعزز فرص الخيار الثالث الوطني، الرافض للظلم الواقع على الشعب العراقي، أياً كان مصدره، سواءً من الدكتاتوريات القديمة والجديدة التي فرضها نظام المحاصصة، أو من التدخل الأمريكي المباشر، سياسياً وعسكرياً في العراق. ما يعزِّز التفاؤل بأن بداية الإجهاز على الأداة الفاشية الجديدة التي رسختها أمريكا في العراق ستكون الإسفين الأهم في نعش أمريكا التي اقتنصت فرصة صعودها كشرطي عالمي لتقلب ليل بغداد كابوساً في آذار عام 2003.
تقدِّم التجربة العراقية، التي دفع الأبرياء من العراقيين ثمنها غالياً، برهاناً جلياً على نجاعة مبادئ القوى السياسية التي رفضت، منذ تصاعد الحركة الشعبية في بلدان المنطقة، الانصياع لمنطق «الاختيار» بين الثنائيات الوهمية، و«التخيير» بين السيء والأسوأ، بين التهميش والقمع والاستبداد من جهة، والتدخلات الخارجية التي لا تعمل إلا على مفاقمة كوارث الشعوب من جهة أخرى.