أسئلة «روسية مصرية» و«مصرية سعودية»

أسئلة «روسية مصرية» و«مصرية سعودية»

منذ زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى مصر، تتصاعد بكثافة مؤشرات التوجه المصري الجديد في صياغة علاقاته الخارجية بما يخدم مصالحه الوطنية، ويتوافق مع تبدلات ميزان القوى الجديد.

لدى الحديث عن تقدمٍ بالعلاقات الروسية المصرية، وما سيعكسه ذلك من ظهورٍ لمصر كلاعبٍ إقليمي مدعوم روسياً، لا بد من الحديث عن مآلات التوافق المصري السعودي، الذي كان سائداً على مستوى الإقليم حتى بدايات العام الحالي.
مصر وتبدّل الخيارات
تمثلت أولى استحقاقات التصادم بين مصر ومشروع الإدارة الأمريكية في المنطقة مع ظهور تنظيم «الإخوان المسلمين» كأحد حوامل هذا المشروع. ومع تأهب المؤسسة العسكرية المصرية لقطع الطريق على التنظيم الذي حُرقت أوراقه بعد استلامه السلطة، بدت بوادر الانفكاك المصري عن الولايات المتحدة الأمريكية بالمعنى الدولي واضحة، ولتجسد أحد أهم الأسباب التوجه المصري شرقاً.
ومع ظهور ملامح التوجه المصري الجديد، بدأت أمريكا بالعمل على إدخال مصر في مشروع الحريق الأمريكي. فعن طريق قطر التي تمثل إحدى أدوات الحريق الأمريكي، يجري إقحام مصر في الصراع ومحاصرتها بالتنظيمات الإرهابية في شرقها ومن غربها وجنوبها. حيث أعطى ذلك التوجه الأمريكي دفعة قوية للمصريين باتجاه تسريع خطوات التحصين والاحتواء عبر تكثيف العمل مع دول جوار ليبيا، وصولاً إلى تفعيل الدخول على خط الأزمة السورية من بوابة إحياء مسار الحل السياسي.
وعلى الرغم من الانتكاسات الكبرى التي حلت بالدور المصري على مستوى الإقليم منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»، وانكفاء مصر عن هذا الدور لصالح قوى إقليمية أخرى، يتمكن الدور المصري الإقليمي اليوم من الصعود نتيجة المعطيات الجديدة في الميزان الدولي، ويأتي ذلك مع ظهور الطرف الروسي الحامل لمشاريع اقتصادية عسكرية كبديل لعلاقات الاستفزاز الأمريكية التي تضغط على مصر عند كل منعطف. على هذا، فإن علاقات قوية مع روسيا ومن خلفها «البريكس» تعتبر بوابة العبور المصري نحو نفوذ إقليمي.
هل يستوي منطق التجميع؟
منذ انطلاق الموجة الثانية من الحراك الثوري المصري في 30 يونيو وحتى اليوم، لم تكن العلاقات المصرية السعودية تعبِّر عن أو تمهد لـ«تحالف استراتيجي» على مستوى الإقليم،  لاعتبارين أساسيين، أولهما: دخول السعودية والخليج عموماً في لعبة «المكافحة» غير الجدية للإرهاب و«الدعم» غير الجدي للحلول السياسية، كما تقتضيه الطريقة الأمريكية في كلٍّ من سورية وليبيا (ومع تنامي التيارات الإرهابية التي تصنعها الولايات المتحدة الأمريكية، وتصدرها دول الخليج وتساهم في تجهيزها، بدت أولى علامات الافتراق السعودي المصري موضوعياً)، وثانيهما: أنه وفي ظل التنافس الإقليمي لا مشكلة جدية لدى السعودية من استعادة مصر لدور إقليمي ما، فيما لو جرى ذلك تحت سقف التبعية لأمريكا بالمعنى الدولي، أما التبدل الحاصل في خيارات مصر الاستراتيجية، فإن ذلك يعني الافتراق حكماً في السياسات الإقليمية لكل من مصر والسعودية.
غير أنه يبدو أن السعودية لم تفقد كل أدواتها للضغط على السلطة المصرية. فبهدف عرقلة التوجه الاستراتيجي المصري، ترمي السعودية بنفوذها وثقلها على بعض الأوساط داخل جهاز الدولة المصري من أجل بناء سقوف محددة للتوجه المصري الجديد. ويأتي هذا بالتوازي مع الحديث عن احتمالات «مصالحة» مصرية تركية مفترضة سترعاها السعودية على أراضيها. حيث تتعمد السعودية الاستفادة من نقاط التوافق المستمرة حتى الآن مع مصر، التي لاتزال اليوم بحاجة للدعم السعودي- الخليجي لاقتصادها.
وفيما تتصاعد المؤشرات الدالة على سعي سعودي لتعميق العلاقات مع تركيا بشكلٍ أكبر، حيث سيشهد الشهر المقبل زيارات تركية إلى السعودية وبالعكس، يبدو أن البحث عن سبل تطوير العلاقات المصرية الإيرانية وإيجاد طرق لحلحلة القضايا العالقة بين البلدين سيكون عاملاً حاسماً في الصراع الإقليمي الجاري، فيما لو قررت القوى المتضررة من الهيمنة الأمريكية المضي قدماً في عملية التجميع.