من المخفي إلى المكشوف

من المخفي إلى المكشوف

إذا كان ما جرى من أحداث عالمية منذ بداية القرن الحالي قد أشار إلى إرهاصات التغير في أوزان القوى العالمية، فإن البشرية تعيش اليوم عصر تمظهر هذا التغير بشكلٍ ملموس في عددٍ من بقاع العالم.

يسود التوتر، العسكري حيناً والدبلوماسي أحياناً أخرى، مناطق العالم من شرقه إلى غربه. وفيما ظهر تقدُّم القطب المعادي للهيمنة الأمريكية واضحاً من خلال نجاح الحلول السياسية التي تشكِّل أداته الرئيسية في الصراع الجاري، تستحضر الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية إعاقة تقدم الخصوم، سواء عبر تأخير الحلول السياسية في الجبهات المشتعلة وتعطيلها إن أمكن لها ذلك، أو عن طريق التصعيد العسكري على تخوم حدود خصومها.
فبينما وجدت أمريكا نفسها مضطرة إلى «مباركة» اتفاق رباعية «النورماندي» حول الحل الدبلوماسي للأزمة الأوكرانية- الاتفاق الذي ذهب فيه الأوروبيون حتى النهاية- كانت قد لجأت مسبقاً إلى التفافٍ نفذته عن طريق إحدى أدواتها المتمثلة بحلف «الناتو»، الذي «قرر» زيادة عدد قواته القتالية و«مراكز السيطرة والتحكم» العسكرية الأطلسية في البلدان المحاذية لروسيا، في حين لجأ الاتحاد الأوربي ذاته إلى تجديد العقوبات على روسيا في محاولة منه لمسك العصا من المنتصف ومغازلة واشنطن مجدداً..!
في الجانب الإقليمي، يجري ترقب احتمالات التفاف ما بسياسة السعودية بعد تولي الحكم الجديد المثقل بالهزائم التي مني بها المشروع السعودي في كلٍّ من اليمن والعراق وسورية. وفي غير ساحة، بدت الأمور وكأن السلطة المصرية ماضية في حسم خياراتها الاستراتيجية وبناء تحالفاتها الدولية على أساس متين وثابت.
واقعياً، ليس من المبالغة القول أن أثر تعميق العلاقات وتوحيد الرؤى بين روسيا ومصر سيكون كفيلاً بقلب المشهد الإقليمي برمته، حيث سينعكس ظهور مصر في المنطقة كلاعب إقليمي مدعوم روسياً ليؤثر على أوزان باقي القوى الإقليمية، مما شأنه أن ينهي حصرية التأثير في منطقتنا من نطاق التجاذب الثلاثي التركي والإيراني والسعودي، وهو ما يبدو أنه سيتجلى بدايةً في تغيير إحداثيات الصراع على الساحة الليبية إلى ما يغاير المصلحة الأمريكية والأوروبية والخليجية، وسيسهم في دفع العملية السياسية في سورية قدماً نحو الأمام.
إن جملة المشهد المذكور يدلل على أن الصراع المستمر بين الإمبريالية الأمريكية المتراجعة وحلفاؤها من جهة، ومحور «بريكس» المتقدم وما يدور في فلكه من جهةٍ أخرى، قد خرج من طور الصراع غير الواضح المعالم وأخذ بتفاعلاته يرسم صورةً مرئيةً لتحالفات الضرورة والمصالح المشتركة.