العراق... أسير خطابين لنهج واحد!
يعاني العراق من تدخلات الدول الإقليمية في شؤونه الداخلية. وانعكس ذلك على العلاقة بين عناصر الطبقة السياسية، الحاكمة تبعاً لتعبية هذا الطرف أو ذاك، لهذه الدولة الإقليمية أو تلك.
كان أخطر أشكال التدخل ذلك المتبرقع بالشعارات الطائفية التي فاقمت من حدة الصراع المفتعل أمريكياً، والمستمر منذ احتلال العراق في 9 نيسان 2003 وتشكيل مجلس الحكم على أساس توازن «المكونات» ورفعت من مستوياته إثنياً وطائفياً، خصوصاً بقرار المحتل في حل الجيش العراقي وإلغاء قانون الخدمة الإلزامية وإعادة بنائه على أساس «تطوع» العاطلين عن العمل للانضمام إليه في مقاولات فساد مفضوحة ووفق تسعيرة معلومة.
تأتي زيارات المسؤولين العراقيين (الجدد – القدامى) إلى دول الجوار، وفق خطاب رسمي يعلن رغبة الحكومة الجديدة في إقامة علاقات متوازنة مع هذه الدول. وكان من أبرزها زيارة الرئيس الجديد معصوم إلى السعودية، إذ أعلنت مصادر رسمية عن الأمل بأن تسفر الزيارة عن نتائج إيجابية تعزز التعاون المشترك بين البلدين! خاصة فيما يتعلق بـ «محاربة الإرهاب»! لضمان أمن المنطقة وتحريرها من «داعش»!. وقد تبنى رئيس الوزراء الجديد العبادي نهج تحسين العلاقات مع دول الجوار والمنطقة، حيث زار وزير الداخلية دولة قطر وأعقبتها زيارة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري لتركيا.
غير أن التصريحات التي أطلقها النائب الأول لرئيس الجمهورية، نوري المالكي، أثناء زيارته لإيران تتعارض تماماً مع هذا الموقف الرسمي، حيث اتهم دولاً إقليمية بإسقاطه، وإصرارها على الاستمرار في سياسة التدخل في الشؤون الداخلية العراقية، علماً أن العبادي قد سبقه في زيارة إيران أيضاً.
ولم يقتصر مسعى الحكومة الجديدة المعلن على «إعلان العلاقات المتوازنة» بل استحصلت على غطاء المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، لهذا التوجه إقليمياً وكذلك مباركته لخطتها «الجديدة» على صعيد ملف المصالحة الداخلية المكلف به نائب رئيس الجمهورية، إياد علاوي. فقد زار الرئيس معصوم النجف عشية سفره إلى السعودية ليعلن «إشادته» بمواقف المرجع الديني آية الله علي السيستاني تجاه العملية السياسية، و«عدم تفرقته بالتعامل مع أطياف المجتمع في البلاد»، وأن «السيستاني أدى دوراً مهماً في مرحلة كتابة الدستور العراقي»، وينظر إلى «العراقيين على أنهم سواء ولا فرق بين مكون مع مكون آخر»، مشيراً إلى تمكن السيستاني من «الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً والمساهمة في درء الأخطار عنه». إضافة إلى زيارة وزير الدفاع العبودي إلى أربيل للبحث في الملفات العالقة بين المركز والإقليم، التي أضيف إليها ملف الفرقة العسكرية العراقية المراد تشكيها كبديل عن الفرق الأربع الهاربة.
تلكم هي لوحة المشهد السياسي العراقي كما يرسمها أقطاب الحكم متجاهلين عن عمد حقائق خطيرة، أبرزها، تمدد جيش الاحتلال الأمريكي في مناطق عديدة من العراق، وتشكيله مراكز للقواعد العسكرية واستمرار القصف الامريكي المزعوم على «داعش» دون نتائج على الأرض، والإعلان الأمريكي الرسمي المتواصل من أن المعركة ضد «داعش» قد تطول إلى سنوات، ما يعني استمرار نهب النفط العراقي وبيعه بالسوق السوداء، والحقيقة الأكبر كون «داعش» صنيعة أمريكية بتسهيل تركي – سعودي.
إن حكام العراق «الجدد- القدامى» إما في حالة نكران للواقع أو حالة هروب إلى أمام، هذا إذا افترضنا أن من بينهم وطنياً يسعى حقاً لإنقاذ العراق من التقسيم والتفتيت والفساد والإرهاب. ومقياس الوطنية لا يقاس بمحرار طبيب، ولا بالتصريحات المغلفة بالشعارات عن وحدة العراق وشعبه، وإنما بالبرنامج السياسي والتحالفات الداخلية والإقليمية والدولية. وبكل بساطة ووضوح إن من لا يرى بأمريكا عدواً، بل والمسؤول الأول عما آلت إليه أوضاع العراق، وخطراً قائماً مستمراً على وجوده، فإنه يفتقد للوطنية حتى وإن اعتمر جبلاً من الشعارات والتصريحات عن الوطن والشعب.
* منسق التيار اليساري الوطني العراقي