خريطة الاتجاهات والتحولات عشية الانتخابات الأمريكية

خريطة الاتجاهات والتحولات عشية الانتخابات الأمريكية

الشائع بين الجمهور الانتخابي الأمريكي، بشكل خاص، أنه يدلي بأصواته نتيجة تطابق وعود المرشحين لقضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية ولمدى انسجامها مع تركيبته الثقافية وطموحاته الفردية.

بيد أن الحقيقة تدل على إسدال «قوى معينة» ستاراً كثيفاً على عوامل مؤثرة عدة تحجب ما هو أهم من ذلك، ولا سيما دور المال السياسي في الاستقطاب والتعبئة الإعلامية لقضايا محددة تخدم مصالح وأجندات تلك القوى، وتتبخر المعطيات التاريخية وعامل الالتزامات السياسية أمام «سياسة الباب الدوار» لأصحاب رؤوس الأموال الهائلة وانتقائهم لمرشحين يعوّل عليهم لسنوات قد تطول.
أيام عشرة تفصلنا عن نتائج الانتخابات النصفية المقبلة يميزها حالة الاستقطاب الحادة بين الحزبين الرئيسيين وترجيح الطرف الأوفر تنظيماً وقدرة وإمكانيات، أي الحزب الجمهوري، على الفوز بمجلسي الكونغرس وما سيشكله من شل حركة العملية السياسية الرسمية عبر الصدام معه ومحاصرة السلطة التنفيذية.
العنصرية تلقي بظلالها
لا يجوز إغفال عامل العنصرية المتجدد في تقرير نتائج الانتخابات، وحضوره الطاغي في كافة مناحي الحياة اليومية وإن بدرجات متفاوتة بين منطقة جغرافية وأخرى. فبعض الولايات في الساحل الشرقي تتمتع بحس ليبرالي أوسع ساهم في تراجع حدة التفرقة العنصرية، مقارنة بالولايات الجنوبية، بشكل خاص، التي لا تزال تعيش في أجواء استقطابات الحرب الأهلية، والدليل الأكبر ما جرى من استقطاب في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري عقب اغتيال شاب أسود البشرة على يد رجل شرطة أبيض وتفاعلاتها الممتدة ليومنا هذا. بعبارة أدق، فإن سياسة المصالح الكبرى المسيطرة على القرار السياسي "تتجلى في تعزيز الفروقات الاجتماعية المصطنعة" بين فئات الشعب الامريكي.
كما يُرصد ارتفاع وتيرة «الاتهامات» السابقة مستهدفة الرئيس أوباما وإدارته من قبل الدوائر المحافظة التي تضمر حقداً عنصرياً ضد أول رئيس أسود البشرة لتحويل الأنظار عن القضايا الجوهرية، أسوة باتهام «إسرائيل الآخرين بمناهضة السامية لنحو عقود ستة بغية إسكات أي انتقادات توجه لسياساتها»، وحشد العامة ضد بعض أوجه سياساته التي تقارب «ترسيخ البرامج الاجتماعية والرعاية الصحية العامة» التي تتعارض مع المصالح الاقتصادية لفئة ضيقة من فاحشي الثراء. يذكر أن باكورة برامج الرئيس أوباما «الرعاية الصحية» الشامل تم صياغته من قبل السيدة ليز فاولر، «نائب رئيس شركة جونسون آند جونسون،» إحدى كبريات شركات الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية، مما يدحض زعم الإدارة ومؤيديها بأن البرنامج يخدم مصالح العامة بشكل أساسي.
مصالح الشركات
الأمر ذاته ينطبق على المواقع الرسمية الأخرى لمناصب حكام الولايات وسلطاتها التشريعية الداخلية، وينذر بتكرار تجربة «المد والجزر» في الاستقطاب السياسي الحاد لعام 2006، عندما استعاد الحزب الديموقراطي سيطرته على مجلسي الكونغرس آنئذ. السيطرة على (مجلسي) الكونغرس تبشر «ملء خزائن الحزب الفائز بالتبرعات المالية من الشركات الكبرى»، كما أوجز الأمر مدير طاقم موظفي البيت الأبيض الأسبق، رام عمانويل.
ويزداد الأمر وضوحا عند الأخذ بعين الاعتبار أن المرشحين المحليين، لكافة المناصب، يتطلعون للعب دور سياسي أكبر على الخارطة القومية، وتراود بعضهم رغبة الترشح للمنصب الرئاسي للجولة المقبلة عام 2016، وإمعانهم في تجديد الالتزام ببرامج اقتصادية «نيو ليبرالية» خدمة للمصالح الاقتصادية الكبرى، أهمها «سياسة الخصخصة» على المستوى المحلي لموارد الولاية المعنية ومحاصرة أو إلغاء برامج الدعم الاجتماعية السارية.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى عامل التمايز بين سياسات الرئيس أوباما وسلفه جورج بوش الابن الاقصائية والذي يكمن في حجم وكثافة طلاء التجميل للنظام السياسي والحزبي، وليس خلافاً على الجوهر. فكلاهما أبرز ولاءه التام لعصب النظام الرأسمالي، وول ستريت، والشركات الضخمة العابرة للقارات والحدود الإقليمية، وانتهاج سياسة «الحق الحصري المنفرد في اغتيال أي كان في أي مكان» من الكرة الأرضية، وتسخير الموارد الهائلة لشن حروب لامتناهية خدمة لمصالح الشركات الكبرى: قطاعات النفط وصناعة الأسلحة؛ وأيضاً في إدامة وتكريس قيم «النيو ليبرالية» في بسط سيطرتها على مقدرات العالم عبر أنماط متعددة «لاقتصاد السوق وعقد اتفاقيات تجارية» تخدم مصالح الشركات الأمريكية حصراً. ولم تشفع لأوباما سياسته بالاصطفاف إلى جانب كبريات شركات الاستثمار المالي في «وول ستريت» إبان الأزمة الاقتصادية والهزة المالية عام 2008-2009 الناجمة عن استشراء الجشع في مصادر التحكم بالثروة الذين «اصطنعوا الأزمة» والإطاحة بما تبقى من القيود والضوابط القانونية لضمان السيطرة وإزاحة المنافسين.
آفاق الخارطة الانتخابية لعام 2014
استعراض تاريخ الانتخابات الأمريكية يدل بوضوح على تعثر فوز حزب الرئيس في الانتخابات النصفية، كما رأينا عام 2006 إبان حقبة الرئيس جورج بوش الابن؛ والرئيس أوباما لن يكون استثناء، ولاسيما مع تدهور شعبيته بين أوساط الناخبين يفاقمها بؤس الأداء الاقتصادي وتعثر سياسته الخارجية في ساحات عدة: الحرب ضد «داعش»، إصلاح قوانين الهجرة، وانتشار وباء ايبولا التي أضحت مجتمعة مادة ثابتة في اهتمامات الناخب العادي.
هذا ويستميت الحزبان الرئيسيان في الفوز بنسبة أغلبية ممثلي مجلس الشيوخ، نظراً لتقارب تعادل التمثيل الراهن بينهما. في حال فوز الحزب الجمهوري، كما ترجح استطلاعات الرأي وتوقعات العناصر النافذة في الحزبين، سيستغل انتصاره بحجب تمويل برامج الرئيس أوباما، السابقة والمقبلة، مما سيترجم بتقليص نفوذ الرئيس وتراجع سياساته.
يحتاج الحزب الجمهوري إلى الفوز بمقاعد ستة إضافية، ويتوثب للفوز بنسبة تتراوح بين 6 إلى 9 مقاعد يعززه تحول شريحة المترددين للتصويت لمصلحة، على الأرجح. فالولايات المحورية، أوهايو نموذجاً، تشير إلى ميلها للتصويت لمصلحة الحزب الجمهوري أو الثبات على نسبة أغلبية تأييدها الراهنة لمصلحة.
 
عن التقرير الأسبوعي لمراكز الدراسات الأمريكية