مصر والجزائر ومحاولات إنقاذ في ليبيا
تحاول دول الجوار الليبي لملمة التفجير بالصدمة، الذي يسميه الغرب بـ «الثورة» حيث أحدث التدخل الخارجي، ضمن وصفات التغير الفجائي والصِدامي، إعادة مكونات الصراع إلى أكثر الأشكال تخلفاً للصراع، كالقبلي والعشائري، للسيطرة على الثروات والقيم.
في القضية الليبية، عندما انفجرت الأوضاع أمنياً، انتقل مركز الصراع من الداخل إلى الخارج بحيث تلعب القوى الداخلية دور المنفِّذ، ولما كان لـ«الإخوان المسلمين» تواجد قوي في ليبيا وخارجها (ضمن انتخابات 2012 حصلوا على 17 مقعداً مقابل 39 مقعداً لتحالف القوى «الوطنية»، بقيادة محمود جبريل). ورغم أن جبريل- ابن أكبر العشائر الليبية والحاصل على أغلبية المقاعد- هو من شكَّل الحكومة، إلا أن كل الصلاحيات كانت بيد الإخوان. ومن هنا، خُلق الخلاف بين القوى الرئيسية الليبية. في ذلك الوقت، تحمَّل «تحالف القوى الوطنية» الوضع بحكم وزن الإخوان بالمحيط القريب، خاصة مصر.
انتخابات 25 حزيران والشرخ:
حكومتان وبرلمانان
تتوقع أغلبية مراكز التحليل والدراسات السياسية أن لا حل في الأفق، وأن الأمور تتجه نحو مزيد من الاقتتال، فبعد هبوط وتراجع وزن «الإخوان» بالمعنى السياسي لم يبق لهم سوى وزنهم العسكري، أي مقدار الدعم الغربي لميلشيات «الإخوان»، مما دفع جبريل وما يمثله (وهو ليس أقل تبعيةً للخارج) بأن يدفع باللواء المتقاعد، خليفة حفتر، إلى ضرب التنظيم بالمعنى العسكري لتصفية وزنه، والعودة بمحمود جبريل إلى واجهة الأحداث متحالفاً مع إبراهيم جضعان الذي يسيطر على حقول النفط ومنافذ التهريب في برقة.
لم يستطع حفتر الحسم في «معركة الكرامة» لجملة أسباب سياسية، هي علاقة حفتر المشبوهة بالمخابرات الأمريكية، وعدم ثقة دول الجوار بقيادته فأصبحت حركته تصب الزيت على نار الحرب بين الفصائل المقاتلة. وفي الميدان، يدعم حفتر فصائل مقاتلة من الزنتان شرقي ليبيا ويدعم «الإخوان» فصائل مصراته المقاتلة.
وعلى أرضية المعارك الدائرة، جرت انتخابات 25 حزيران في ليبيا التي أقصت «الإسلاميين» بالمعنى السياسي وأوصلت برلمان ذا أغلبية لمصلحة ما يسمى «الحركة الوطنية» بزعامة جبريل، ولكي يحمي «الإخوان» أنفسهم جلبوا مليشيات مصراته التي استولت على العاصمة، وطردت ما يسمى «جيش ليبيا الوطني» الذي هو مليشيا تابعة لحفتر، لينتقل البرلمان المنتخب إلى طبرق وينتخب عبد الله الثني رئيساً للحكومة، ويفوض البرلمان والحكومة المنتخبان حفتر للقضاء على الإرهاب.
دول جوار ليبيا: هل يتحمل الأمريكان سلوك القاهرة؟
يشكل تدهور الوضع الليبي خطراً على دول الجوار في ظل الصراع الكبير بين مجموعات جبريل وحفتر و«الإخوان» على السلطة والثروة. وعلى إثر المبادرة المصرية الجزائرية قال رئيس وزراء ليبيا عبد الله الثني: «إن مؤتمر دول جوار ليبيا، الذي سيعقد الشهر المقبل في الخرطوم، سيضع حجر الأساس للحوار بين الفصائل الليبية». ورفض الثني تقديم مزيد من التفاصيل حول الحوار الليبي، قائلاً: «سنضع خطة للحوار في مؤتمر الخرطوم الشهر المقبل، لكن لا نريد الخوض بتفاصيلها للصحافة حتى تنضج الفكرة، لكنها تتطلب تنازلات».
تمثل المبادرة جوهر الموقف المصري الجزائري من الوضع الليبي، حيث يرون الحل في الحوار بين كل الفصائل للخروج من دوامة المعارك غير المحسومة، ومحاولة تحجيم «الإخوان» بطرق سياسية. كما تسعى دول الجوار للوصول إلى توافقات دولية جدية.
كان موقف دول جوار ليبيا حول قضية التدخل الأمريكي حاسم بالرفض. منذ شهرين في مؤتمر لدول جوار ليبيا، أكد وزير الخارجية التونسي، المنجي الحامدي، أن المؤتمر، المنعقد بالقاهرة، في غاية الأهمية لوضع طرق عملية لحل الأزمة في ليبيا خاصة، مشدداً على رفضه التدخل الأجنبي لحلها. وقال الحامدي، في تصريحات صحفية عقب لقائه مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري: «إن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لقطع الطريق على العنف وإراقة الدماء وإثارة الفوضى في ليبيا». وطالب بوضع الحلول العملية لإجبار الفرقاء الليبيين للجلوس إلى طاولة الحوار والمفاوضات وإيجاد حل سلمي. وقال إن آلية دول الجوار الليبي تفضل الحل السياسي للأزمة الليبية عن أي تدخل أجنبي. مما جعل الأمريكيين يعيدون حساباتهم بالتدخل من دون غطاء الإقليم مما يعني فشلاً ذريعاً وحتمياً.
تتجه الأمور في ليبيا بحكم التوافقات الجديدة بين دول الجوار، وﻷول مرة منذ عقود، نحو إمكانية الحل ولملمة البلد المنهار خارج المخطط الأمريكي، ويغدو السؤال اﻵن كم سيتحمل الأمريكي ذلك الدور المصري الذي يقوم بإطفاء حرائق أمريكا ضمن حدود إمكاناته؟