الشيوعي اليوناني في اللقاء الشيوعي الأوروبي 2014: من أجل حركة شيوعية أوروبية قوية ضد الإتحادات الإمبريالية وإسقاط الرأسمالية

الشيوعي اليوناني في اللقاء الشيوعي الأوروبي 2014: من أجل حركة شيوعية أوروبية قوية ضد الإتحادات الإمبريالية وإسقاط الرأسمالية

بمبادرة من الحزب الشيوعي اليوناني عقد اللقاء الشيوعي الأوروبي في 2 تشرين الأول/أكتوبر في بروكسل تحت عنوان: «أوروبا 100 عامٍ بعد الحرب العالمية الأولى. الرأسمالية: أزمة وفاشية وحرب. نضال الأحزاب الشيوعية والعمالية من أجل أوروبا الاشتراكية والسلام والعدالة الاجتماعية».

هذا وحضرت اللقاء المذكور، الأحزاب الشيوعية والعمالية اﻠ 32 التالية من مختلف الدول الأوروبية. وقدَّم الأمين العام للجنة المركزية في الحزب الشيوعي اليوناني، ذيميتريس كوتسوباس كلمة اللقاء الإستهلالية، و تلى ذلك تبادل الآراء والخبرات بين الأحزاب الشيوعية حول التطورات ونشاطاتها. وتنشر قاسيون أهم ماجاء في الكلمة:
تلازم الأزمة الرأسمالية والحروب
يعكس موضوع لقائنا اليوم أولاً وقبل كل شيء، ما تعيشه بهذا الشكل أو ذاك شعوب أوروبا من أزمة اقتصادية رأسمالية وانبعاث نزعات قومية عنصرية فاشية، إضافة للحرب والتدخلات الإمبريالية.
وتعيش أوروبا عواقب ظمأ الاحتكارات الذي لا يرتوي من الأرباح، بعد مرور مئة عام على الحرب العالمية الأولى وحوالي سبعين عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية، وتواجه ولمرة أخرى حتميات نمط التطور الرأسمالي، كالأزمة الاقتصادية وعواقبها المأساوية على العمال وباقي الشرائح الشعبية. حيث تواجه الحرب أوروبا وشعوبها.
وبالطبع، تختلف تعابير هذه الظواهر من بلد لآخر. و هكذا، فمع أنه في بلادنا تعاني شرائح كبيرة من العمال من البطالة، وتدهور كبير في مستويات المعيشة، ففي أوكرانيا فإن سفك الدماء جارٍ سلفاً. حيث يتعلق اختلاف تعابير آثار الرأسمالية من بلد إلى بلد، بعدم تكافؤ التطور الرأسمالي، و مع ذلك، فإن من يربح في جميع أنحاء أوروبا من أقصاها إلى أقصاها، هم حفنة من الرأسماليين.
إننا نعلم من خلال دراسة التجربة التاريخية، بأن الأزمات الإقتصادية كأزمة 1929-1933 تقود نحو الحرب. حيث تشتد عدوانية رأس المال في كل أزمة مدمرة قوى إنتاج ضخمة.
يعتقد حزبنا في الواقع أنه حتى إذا دخل الاقتصاد في مرحلة الانتعاش، فإن ذلك قد يهتز نتيجة تأثير التطورات في المنطقة، وتدهور المسار الاقتصادي في منطقة اليورو.
يمر الاقتصاد الألماني في ركود للربع الثاني من العام ويتزايد القلق في إيطاليا وفرنسا. إن القوانين الموضوعية للرأسمالية لا ترحم. لقد سببت صعوبات النظام نشوب تناقضات حادة حول خليطة الإدارة الاقتصادية، ألهبت عملية إعادة صياغة النظام السياسي ليضمن الرأسماليون حلاً حكومياً أكثر فعالية لتعزيز الإحتكارات وربحيتها ضمن الظروف الجديدة، و لمواصلة هجمتهم ضد المصالح العمالية.  
وتتفاقم التناقضات بين المراكز الإمبريالية. حيث ترتبط هذه الحقيقة مع تطورات أوكرانيا، ومع الحرب الاقتصادية والعقوبات المتبادلة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، ومع تطورات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد عشنا جميعاً على مدى العقدين الأخيرين تجليات ما ذكر أعلاه، عبر سلسلة طويلة لحروب وتدخلات عسكرية لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في يوغوسلافيا والعراق وأفغانستان وليبيا وسورية وجمهورية أفريقيا الوسطى، والآن في أوكرانيا. أي في كل مكان، حيثما تُهدد مصالح الاحتكارات الأمريكية والأوروبية حين مواجهتها لمصالح مجموعات منافسة من روسية وصينية وغيرها من الاقتصادات الرأسمالية الصاعدة.
حيث ينطوي الصراع المذكور على استخدام كل أداة، بما في ذلك الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية وصولاً لاحتمال استخدام الأسلحة النووية.
التدخل الأمريكي-الأوروبي بأوكرانيا أشعل الصراع
نود أن نتطرق قليلاً إلى التطورات في أوكرانيا. لقد كشف الحزب الشيوعي اليوناني ومنذ اللحظة الأولى أن احتدام هذا الصراع الدموي بهذه الشدة أتى بعد تدخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تطورات أوكرانيا، وهي القوى المتواجدة في منافسة قوية مع روسيا من أجل السيطرة على الأسواق والمواد الأولية وشبكات النقل في البلاد. وبالطبع، تطور الصراع على أرضية المسار الرأسمالي للتنمية المتبع في هذا البلد بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. وبالتأكيد، لم يُشكِّل إسقاط حكومة يانوكوفيتش «تطوراً ديمقراطياً» حيث تسلقت نحو الحكم قوى رجعية محافظة وفاشية، جرى استخدامها من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز مخططاتهما الجيوسياسية في منطقة أوراسيا.
ويرى الحزب الشيوعي اليوناني أن الحل الفعلي للشعب الأوكراني لا يكمن في ربط أوكرانيا بعربة الاتحاد الأوروبي الإمبريالي الحالي ولا بعربة روسيا الرأسمالية الحالية. وستقود محاولة تقسيم الشعب الأوكراني على أساس عرقي ولغوي إلى مذابح أكبر مع عواقب مأساوية لا تحصى  بالنسبة للشعب ذاته ولبلده،  فإن اختيار هذا التكتل الدولي الرأسمالي أو سواه هو غريب تماماً عن مصالح العمال.
حول الفاشية
في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية والتناقضات الحادة والاستعدادات الحربية، إننا نشهد انتشال الرأسمالية لقوى الفاشية من مزبلة التاريخ وإعادتها إلى الحياة السياسية في العديد من البلدان. وبالتأكيد، ذلك بعد إعداد أرضية لذلك على مدى سنوات سبقت. وبمناسبة حديثنا عن قارتنا، فإن الاتحاد الأوروبي ذاته، قام بما في وسعه لإطفاء شعلة التاريخ الحقيقي الذي سُطِّر بدماء الشعوب. و هو يقوم بما في وسعه لتشويه التاريخ لتحقيق تبرير مباشر أو غير مباشر للوحشية الفاشية. فقد وصل إلى حد تحوير ذكرى يوم9  أيار/مايو من يوم نصر الشعوب على الفاشية ليُكرَّسه ﻜ «يوم لأوروبا» ساعياً إلى محو طابع هذه الذكرى المعادي للفاشية والإمبريالية من ذاكرة شعوب أوروبا. و هم لا يترددون ضمن افترائهم القذر الأيديولوجي - السياسي هذا، عن مساواة الفاشية بالشيوعية عبر التوجيه الإطاري الأوروبي وعبر «نظرية الطرفين» المنافية للتاريخ.
في الوقت نفسه لا يتورع الاتحاد الأوروبي كما الولايات المتحدة، على الإطلاق من الإستناد على أكثر القوى رجعية وهي تلك التي تسلقت انقلابياً إلى الحكومة و قيادة دولة أوكرانيا، كما كان قد حدث في وقت سابق في بلدان البلطيق، لتعزيز مصالحهم الجيوسياسية في منطقة أوراسيا.
ومع ذلك، فمهما تقيؤوا من سموم ومهما كتبوا وأشاعوا، فالواقع الموضوعي لا يتغير. فبعد ما يقرب على 70 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، يثمِّن الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم العطاء والتضحيات غير المسبوقة للحركة الشيوعية في هزيمة الفاشية.
كان الوحش الفاشي آنذاك كما هو الآن صنيعة النظام الرأسمالي فقد ولد في أحشائه، وهو ليس بشيء من خارجه كما يعملون على تقديمه. إن الفاشية هي الصوت المتطرِّف لرأس المال الذي يستخدمه ﻜ «رأس حربة» للقوى الرأسمالية ضد الحركة العمالية. وهي تستخدم ظروف الديمقراطية البرلمانية البرجوازية، من أجل تعزيز قواها مع امتلاكها لدعم رأس المال أو قطاعات منه ومن جهاز الدولة.
كذب «الاشتراكية الديمقراطية»!
ويرتبط تعزُّز الفاشية في أوكرانيا واليونان وفرنسا والدول الأوروبية الأخرى، بتكذيب  الآمال الزائفة التي غذتها الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية وغيرها من الأحزاب البرجوازية الليبرالية وجميع صنوف الحكومات البرجوازية التي وعدت بإجراء إصلاحات صديقة للشعب في حين تطبيقها سياسة ضد شعبية قاسية في خدمة الاحتكارات. حيث يحتمل في حينها أن يتوجه إحباط الشرائح الشعبية والمزارعين والعاملين لحسابهم الخاص، وقطاعات الطبقة العاملة العديمة الخبرة والعاطلين عن العمل ولا سيما الشباب نحو اتجاه أكثر رجعية.
نكافح نحن الشيوعيين من أجل القضاء على الأسباب التي تولد الأزمات والحروب والفاشية، التي ليست سوى النظام الرأسمالي. إننا نعتقد أن توجهنا هذا و الكفاح من أجل التغيير الثوري من أجل الاشتراكية، لا يمنحنا فحسب القوة خلال صدامنا اليومي مع رأس المال وللمطالبة بأهداف ومطالب متجاوبة مع الحاجات الشعبية، بل يوجِّه أيضاً سياسة تحالفاتنا. وضمن سياق هذا التوجه نكافح نحن الشيوعيين اليونان، في محاولة لتوحيد أولئك الكثر، أي الطبقة العاملة والشرائح الوسطى في المدينة و الريف ضمن نضال ضد الاحتكارات، ضد الرأسمالية.
إصلاح الرأسمالية مستحيل!
من المهم جداً لموقف الحركة الشيوعية والعمالية. ألا يقع في «الفخاخ» التي تم نصبها، من قبل كثر من ضمنهم قوى «اليسار» أي الانتهازية – الإشتراكية الديمقراطية، كحزب سيريزا في اليونان وحزب اليسار الأوروبي، الداعية للشرائح العمالية الشعبية للكفاح «تحت علم أجنبي». حيث تحضر موضوعات مثل تأسيس «جبهة جنوب» أوروبا أو ما يسمى ﺑ «دمقرطة الاتحاد الأوروبي» و«تغيير دور البنك المركزي الأوروبي»، الخ... من أجل «تعكير المياه» ولزرع أوهام قائلة بإمكانية تخليص الرأسمالية من الهمجية الحالية و تصحيح الاتحاد الأوروبي عبر «خليطة إدارة أفضل وأكثر عقلانية».
ومن هذا المنبر نريد التأكيد على عجز النظام الإمبريالي الدولي على غرار الرأسمالية، أن يتخلص أبداً من خصائصه الملازمة ذاتها لبعضهم البعض، وهو يعجز عن «التأنسن» عبر أسلوب إدارة «يساري» مزعوم، وعلى هذا الشكل تعجز التحالفات الرأسمالية الدولية والمنظمات الإمبريالية من طراز الاتحاد الأوروبي، عن «التأنسن».
قبل مائة عام كانت تقديرات بعض محللي التطورات الدولية، تقول بانحسار التناقضات والصدامات بين القوى العظمى حينها على بؤر جانبية أي في حروب و مناوشات محلية.  حيث ارتأت تقديراتهم حينها أن  ضخامة مصالح التعاون بين الدوائر الإقتصادية لأعتى البلدان، وأن من شأنها ردع نشوب حرب عالمية. كما نعلم اليوم، فقد دحضت الحياة صحة التقديرات المذكورة، حيث دفع الملايين من الناس حياتهم ثمناً.

إعداد قاسيون*: عن موقع الحزب الشيوعي اليوناني بالعربية.