بغداد الهدف القادم... إذا سقطت الأنبار
فجَّر إعلان وزير الدفاع الأمريكي عن «إنقاذ طائرات الأباتشي الأمريكية مطار بغداد من السقوط بيد داعش»، التي وصلت على مقربة 30 كم منه، حالة من الهلع بين المواطنين، وارتباكاً شديداً في أوساط القيادات السياسية والعسكرية.
لم تتوقف حالة الهلع الشعبي والارتباك الحكومي، رغم قيام رئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش بعقد اجتماعات مع نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي، توني بلنكن، والجنرال جيمس تيري، قائد القوات البرية المشتركة للتحالف الدولي. بل إن التصريحات الصادرة عن هذه الاجتماعات قد رفعت من منسوب الهلع والارتباك. إذ جاءت مطالبة العبادي المسؤول الأمريكي بأن «تفي الولايات المتحدة الأمريكية بوعودها بتسليح الجيش العراقي» بعد عشر سنوات من الهيمنة الأمريكية وخمس سنوات على توقيع ما يسمى بـ «اتفاق المصالح الاستراتيجي»، لتبلغ الشعب العراقي بأنه لا يملك جيشاً مدرباً أو مسلحاً، وعشرات المليارات المخصصة لذلك قد نهبت. وبالمحصلة، فلا حول له ولا قوة إلا بإرادته الذاتية للدفاع عن النفس والأرض عند «غزوة داعش لبغداد».
مما زاد الطين بلة صدور بيان رئيس أركان الجيش العراقي، الذي برهن على تسلم الأمريكان قيادة المعركة، في إعادة للاحتلال المباشر أن «زيباري يعبر عن تقديره وتثمينه للقادة والمستشارين الأمريكيين لمساهمتهم وتعاونهم مع القوات الأمنية العراقية، في المحافظة على أمن وسلامة الشعب العراقي، وكذلك دعمهم في تطوير قدرات الجيش العراقي، من خلال التدريب وتقديم الدعم اللوجستي»، متمنياً «النجاح والتوفيق للضيوف في مهمتهم بما يخدم مصلحة البلدين الصديقين».
ولعل الأخطر في هذا المشهد السياسي التعبوي الاستعراضي- من حشد شعبي وإعادة تسليح والإعلان عن مشروع تشكيل ما يسمى بـ «الحرس الوطني»- هو إعلان هزيمة محافظة الأنبار قبل وقوع المعركة مع «داعش». فقد طالب مجلس المحافظة «التحالف الدولي» مباشرة بإرسال قواته لإنقاذ المحافظة من السقوط المحتم بيد «داعش».
فالموقف الذي جاء تعبيراً عن طبيعة الطبقة السياسية الحاكمة في العراق- المرتهنة ارتهاناً مطلقاً للأمريكي، رغم ارتباطاتها الإقليمية المتناقضة بتركيا وايران والسعودية- وهذا ما يفسر غياب الرؤية الاستراتيجية لدى صنّاع القرار، بل ضياع القرار الوطني العراقي المستقل، بين مراكز قوى تتقاسم القرار كل تبعاً للدولة الاقليمية الراعية له. وضابط الإيقاع الوحيد المقبول من قبل جميع أطراف المحاصصة على تنوع رايتها المزيفة، الدينية «شيعية، سنية»، والقومية «عربية، كردية، تركمانية» هو الحامي الأمريكي.
خلاصة القول، إن قدرة حكومة المحاصصة على مواجهة التحديات («داعش» وأخواتها مليشيات الوسط والجنوب والشمال)، في ضوء تركيبتها الراهنة، هي بدرجة صفر، فهي على المستوى الداخلي تلجأ إلى سياسة الهروب إلى أمام، عبر إجراءات ترقيعية تعمق وتطيل الأزمة، مثل تشكيل الحرس اللاوطني التفتيتي، وفق ما ورد في المادة الأولى: «التوازن الفعلي للمكونات الذي يحقق التمثيل النسبي للمكونات داخل المحافظة في تشكيل الحرس الوطني»!. فانتقلنا من حصص مكونات الكتل سياسياً إلى حصص مكونات المحافظة الواحدة عسكرياً، بل نزولاً للأقضية والنواحي كما ورد في المادة الثانية: «يتم تشكيل قوات عسكرية نظامية محلية في كل محافظة من أبناء المحافظة نفسها فقط، ويتم تطويع أبناء الأقضية والنواحي ومركز المحافظة، بما يضمن التمثيل الحقيقي لأبناء جميع المكونات، وبحسب نسبة تمثيلهم الحقيقي في مجتمع المحافظة نفسها»!.
إن معركة الأنبار، بما تمثله من موقع جيوسياسي، هي معركة سدود مياه وطاقة وطرق برية عراقية داخلية وخارجية رئيسية، كما يوجد فيها أكبر ملجأ نووي، هي معركة بغداد الاستراتيجية، فسقوط الأنبار بيد «داعش» يعني سقوط العاصمة بغداد، بل والعراق برمته.
*منسق التيار اليساري الوطني العراقي