النهوض الإفريقي محكوم بالصراع مع الغرب
عانت دول شمال إفريقيا نتيجة غزو الناتو لكل من لبييا ومالي، ناهيك عن الغزوات السابقة في الصومال وغيرها، من الإنفلات الأمني وتدفق السلاح والمقاتلين التكفيريين الذين أوصلتهم طائرات الناتو إلى الحكم في ليبيا في نهاية عام 2011، وبعدها بقليل وتحت حجة محاربة التكفيريين نفسهم الذين وصلوا للحكم في ليبيا تدخل الناتو في مالي!
استفادت تلك التنظيمات من فوضى السلاح الليبي ومن تجارة الخطف ومن تجارة المخدرات التي يتم تصديرها إلى أوروبا ضمن خط مالي ليبيا- إيطاليا أو فرنسا، لتكوّن ميليشيات عسكرية تكون الفزاعة التي يستخدمها الغرب للغزو اللاحق.
لكن السؤال الرئيسي هنا لماذا فض الغرب التوازنات في وسط وغرب إفريقيا، فما الذي يقلقه ويخوفه حتى ينتج كل هذه الفوضى ويجذرها؟ الجواب ببساطة إنه يخشى استيقاظ القارة السمراء.
السيناريو الغربي
من الصحيح أن القارة عانت من الفقر الذي أنتج التخلف وتدني شروط الحياة وندرة العمل وعمت الفوضى والنهب والفساد والسرقة. ولكن ورداً على هذا الوضع الذي عم معظم أرجاء إفريقيا خرج ملايين البشر في أهم الدول الإفريقية، وهي مصر، ﻷجل تغيير النظام، وضمن استراتيجية هذا التغيير لا بد من الاصطدام بالعلاقة مع الغرب الذي دعم الأنظمة الناهبة والمجوعة للشعوب. ولهذا السبب وضع الغرب سيناريو أساسي للتعامل مع مصر ما بعد الحراك الشعبي، فاستعادة الاستقلال السياسي والاقتصادي المصري سيكون من خلال القطع مع الغرب وسياساته وبالضرورة الصراع معه.
تحوي القارة السمراء ثلاث دول محورية يشكل نهوضها وتحالفها نقلة استراتيجية تنغص الغرب وهي الجزائر ومصر وجنوب إفريقيا، فالدول الثلاث تملك أعلى ناتج محلي إجمالي على مستوى القارة، فناتج مصر حوالي 230 مليار دولار والجزائر 188 مليار دولار وجنوب إفريقيا 408 مليار دولار ناهيك عن أدوارها السياسية والتاريخية على الصعيد الإقليمي والدولي.
حافظت الجزائر على علاقات طيبة ومستمرة مع الصين وروسيا وهذه العلاقات بحد ذاتها كانت شكلاً من أشكال المقاومة والنهوض. أما جنوب إفريقيا فهي عضو بالبريكس وأسرع اقتصاد نامٍ بالقارة وقد حددت شكل علاقاتها الدولية بالانضمام إلى البريكس في عام 2008 المعسكر الجديد الذي يقف مقابل معسكر الولايات المتحدة وحلفائها.
إن نهوض الثلاثي مصر، الجزائر، جنوب إفريقيا، كمؤشر على استيقاظ القارة السمراء آخذ بالتحقق، وعلى ذلك عمل الغرب على فض التوازنات بإفريقيا لإدخالها في عجلة العنف غير المنتهية.
التحدي الليبي
أخذت مصر والجزائر ما بعد التدمير الغربي لليبيا تبحث عن حلول للخروج من هذه الأزمة لاستباب الأمن وفي الوقت التي تتهم فيه أمريكا الدولتين بأنهما يتدخلان عسكرياً في ليبيا بهدف إقحامهما وتوريطهما فيها. ويرى الرئيس التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية «أمين شلبي»، أن الولايات المتحدة لم تعترف بالنفي الرسمي المصري من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري، ومازال المسؤولون الليبيون يتحدثون عن الأمر باعتباره تقارير متداولة دون الفصل فيها، ويرى «شلبي»، أن واشنطن تريد إقحام مصر فى قضية تريد القاهرة حلها بطرق سياسية ودبلوماسية دون الحاجة لاستخدام القوة أو التدخل العسكري، ولكن واشنطن لا تريد إدراك تلك الحقيقة.
تحاول واشنطن إقحام مصر في الصراع السوري على طريقتها أيضاً، حيث طلب وزير الخارجية الامريكي من مصر المشاركة في التحالف ضد «داعش» الأمر الذي رفضته مصر بشكل قاطع.
مؤشرات على بداية نهوض إفريقيا
لقد شكل غزو الناتو لليبيا في عام 2011، تحت حجة دعم الثوار الليبيين من أجل الديمقراطية وتدمير البلد الإفريقي الواصل بين مصر والجزائر والغزو اللاحق لمالي المحاددة للجزائر، نقطة مفصلية في مستقبل القارة وعلى إثرها تبلورت المؤشرات التالية على النهوض الإفريقي:
الأول: تغير شكل العلاقات الدولية والامتعاض من التدخل الأجنبي ومحاولة حل القضايا الإفريقية بالطرق السلمية الداخلية.
الثاني: البدء ببناء الاقتصاديات على أساس الاعتماد على الذات وبمساعدة الدول الصديقة بعيداً عن شروط صندوق النقد والبنك الدوليين.
الثالث: استشعار القوى الرئيسية في القارة لخطر المخططات التفتيتية.
فهل تنجح القوى المحورية في القارة في تجميع قواها أمام هذه التحديات؟!