روسيا: ردود تكتيكية واستراتيجية على العقوبات
تشلُّ الدراية الروسية المسبقة بالنوايا والتوجهات والأدوات المستخدمة في تطويق وحصار روسيا، ومحاولات تحييدها وتقليل دورها العالمي، الأدوات المقابلة التي أصبحت، بالمعنى العلمي، كلاسيكية.
أصبحت محاور الصراع واضحة. والكثير من مسؤولي البلدين، أمريكا وروسيا، يتحدثون عن حرب باردة بين الدولتين، مما يعني أن روسيا أضحت، بحكم تراجع المركز الغربي تحت عوامل الأزمة الاقتصادية، قادرة على كبح جماح الغرب المتحكم، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، بالعالم.
الغرب واستراتيجية ا
لعقوبات الاقتصادية
فكرة العقوبات الغربية الأخيرة على موسكو، هي منع البنوك الروسية من الاقتراض من أوروبا وأمريكا لتمويل الاستثمار والتنمية. عندها ستضطر البنوك الروسية لرفع معدلات الفائدة على الإقراض، أي ستعاني الشركات من ضعف التمويل، وستنخفض معها معدلات النمو، أي التوظيف، وسيصل، وقتها، تأثير العقوبات إلى لقمة الناس وعملها، وبذلك تضطر الدولة إلى تقديم تنازلات. يضاف إليها عقوبات بمنع تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية، أو ذات الاستعمال المزدوج لروسيا.
لا يمكن التقليل من خطورة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. الاقتصادي الروسي المحاضر في المدرسة الاقتصادية العليا في موسكو، ماليري ميردنوف، يقول إن الاقتصاد الروسي سيتحمل هذه العقوبات لمدة سنة، لن تفلس خلالها أية شركة كبرى. لكن ستضطر موسكو من بعدها للسحب من مخزون العملات الأجنبية لديها، المقدرة بحاولي 450 مليار دولار، وعليه، وبسبب شح التمويل، لن تسطيع، بحسب ميردنوف، من توسيع وتطوير وتحديث الإنتاج، بل الاكتفاء بالصيانة والمحافظة على ما لديها، مما يضعف قدرتها الاستثمارية، وقدرتها على المنافسة، وعلى المدى الطويل، ستؤثر العقوبات على قطاعات النفط والغاز الروسية.
ردود روسية مباشرة واستراتيجية
بعد الإعلان الغربي عن عقوبات مباشرة على موسكو، وقَّع الرئيس الروسي إعلاناً حول عقوبات مباشرة على استيراد المواد الغذائية من الدول المشاركة بالعقوبات على روسيا لمدة عام واحد، وشمل هذا الإعلان إيقاف استيراد الدواجن من أمريكا، حيث قال رئيس الجمعية الأمريكية للدواجن إن موسكو خفضت اعتمادها على الدواجن الامريكية السنة الماضية من 25 % حتى 7%، وأيضاً استيراد الحبوب من أوكرانيا، والخضار والفواكة من بولندا ومولدوفا التي انضمت مؤخراً للاتحاد الأوروبي.
أما على مستوى الردود الاستراتيجية، فالروس يعلمون أن الغرب يلوح بعصا إيقاف التمويل ومنعه عن روسيا، لذلك اتخذوا مجموعة من الإجراءات الاقتصادية استبقت الإعلان الأمريكي الغربي عن العقوبات. وتبدو هذه الإجراءات بالحقيقة نواة تشكيل طريقة جديدة في مواجهة الغرب، من خلال تكوين بدائل وفتح فضاءات سياسية اقتصادية جديدة، ففي القمة الأخيرة لمجموعة «البريكس»، تم الإعلان عن تشكيل الصندوق المالي لـ «بريكس» برأسمال قدرة 100 مليار دولار، وتشكيل «بنك بريكس للتنمية» لمساعدة الدول من «بريكس» وخارجها لتمويل استثماراتها، وقتها قال الرئيس الروسي إن صندوق بريكس سيساعد دوله في كسر الهيمنة الأمريكية الغربية على عملية التمويل.
وفي القمة نفسها، دعا الرئيس الروسي لإنجاز منظمة طاقة للبريكس، ودراسة طلب الأرجنتين الانضمام إلى المجموعة، وكل هذه الإجراءات الاقتصادية كانت بمكانها، فالعقوبات الغربية ستؤثر على قطاع المال والطاقة التي أمَّن الروس بدائلها، حتى قبل فرض العقوبات، وبذلك يكون أمام الروس سنة ﻷجل الوصول إلى تعويض الفاقد الناتج عن العقوبات. وقال وزير الخارجية الروسي إن بلاده لا تمانع في انضمام رابطة الدول المستقلة (الاتحاد السوفيتي سابقاً) إلى قوام الاتحاد الأوراسي، بما فيه طاجكستان و أرمينيا، مؤكداً على أهمية زيادة القدرة التنافسية (وهذا بالضبط ما يحاول الغرب إعاقته عبر العقوبات) من خلال التكامل الاقتصادي، ومنح الاقتصاد دفعة قوية، مما يؤدي إلى زيادة رفاهية المواطنين.