تونس: مكافحة إرهاب أم صدام همجيات؟
حاتم التليلي - تونس  حاتم التليلي - تونس 

تونس: مكافحة إرهاب أم صدام همجيات؟

تشهد تونس، مثلها مثل باقي عديد الدول العربية، موجةً من العمليات الإرهابية، لكن هذه العمليات كانت متفرقة على المستوى الزمني، ممّا جعلها تبدو بمثابة الأزمات العابرة، فالفترة الماضية شهدت عملية خطيرة أسفرت عن مقتل حوالي 16 ضابطاً من صفوف قوات الدفاع، في جبل الشعانبي القريب من الحدود الجزائرية، وهي عملية كشفت عن نقلة نوعية توخاها منفذوها، وذلك عبر استعمال أسلحة متطورة وثقيلة، تلتها عمليات أخرى وبشكل متسارع.

تجدر الإشارة الى أن هذه العمليات تتزامن مع اقتراب الانتخابات، مما ولد أسئلة حول ماهية هؤلاء الإرهابيين، وضرورة اتخاذ اجراءات عاجلة للحد من هذه الظاهرة، وهو ما دفع بحكومة المهدي جمعة إلى سن العديد من القرارات التي رآها البعض ضرورية، بينما رفضها آخرون ووصفها بمثابة نقطة البداية للتضييق على الحريات وعودة دولة البوليس والقمع.

رأس المال: راعي الإرهاب في تونس

لا ينكر أحد ما كان يردده الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة «النهضة» الإسلامية، عندما تحدث عن المتطرفين دينياً، كتنظيم «أنصار الشريعة»، ووصفهم على أنهم مثال لشبابه، ولا أحد ينكر أن حزبه، منذ توليه مقاعد الحكم بعد الانتخابات الأوكتوبرية، كان قد أعلن عن تكفير الناس، ونصب نفسه متحدثاً باسم السماء فاحتكر الله وكأنه مجرد بضاعة في أسواق رأس المال.

إن «النهضة»، كما يكشف تاريخها، تعرف جيداً أن المهمشين سيكونون فريسة سهلة لها، فهم قنبلة موقوتة من السهل جداً إشعالها كي ترغي في ترعيب وتخويف الناس، ولأنهم بلا أمل، أصبحوا عطاشى إلى الله، وأعلنوا القتل سبيلاً للوصول إلى نهود السماء، ثم مهدوا حقدهم تجاه الحياة عبر تفجير الأجساد، وتقديم ضحاياهم قرابين للإله.

لا فرق إطلاقاً بينهم وبين الذين جعلوا منهم مجرد أحقاد من الحيوانية، سواء أولئك المشعوذون أو أصحاب رأس المال، خاصة وأن ذلك كان يتم بتزكية من الرئيس المؤقت، المنصف المرزوقي، الذي كان يعلم أن تجار السلاح يجوبون البلاد طولاً وعرضاً منذ حكومة الباجي قائد السبسي التي سبقته، وهذا الأخير هو من سمح وأعطى الضوء الأخضر لإغراق ليبيا بالسلاح، وهو الآن يتزعم حزب «نداء تونس»، الحزب الذي يعبر عن مطامح النظام القديم. مما يجعلنا نقول بأن جلّ الإرهاب التي حدث في تونس كان بسبب هؤلاء، باعتبارهم رعاته وصانعيه، فرأس المال الذي هم في تبعية له لا يتورع إطلاقاً عن صنع تنظيمات تشوّش على أي حراك ثوري. ولعلّ اقتراب موعد الانتخابات، والأحداث الجارية في منطقة الجوار وخاصة ليبيا، سبب آخر أفرز العمليات الأخيرة، حيث كانت ردّة فعل حكومة المهدي جمعة آنية، عبر اتخاذها إجراءات «عاجلة وفورية».

إجراءات هزلية وإرهاصات إرهاب مضاد

في خطوة هي الأولى من نوعها، عمدت حكومة مهدي جمعة، بعد أن طالبت العديد من المنظمات والجمعيات والأحزاب بقانون مكافحة الإرهاب، إلى إغلاق عدد كبير من المساجد الخارجة عن سلطة توجيه وزارة الشؤون الدينية، كما ذهبت عميقاً في اتخاذ إجراءات تعسفية وقمعية، وذلك بغلقها لعديد من الإذاعات بتهمة أنها لا تمتلك ترخيصاً، وأنها تبث خطاباً دينياً متطرفاً.

وما تتناساه هذه الحكومة، هو أن الأحداث الإرهابية التي جرت في سورية لا يمكن عزلها إطلاقاً عن تلك التي تحدث في ليبيا أو مصر أو العراق، فالتنظيمات الإرهابية ذات صبغة دولية في تحركاتها ومصادر قراراتها، لا تختلف عن بعضها كثيراً، أي أن الحلول التي قدمتها حكومة المهدي جمعة لا يمكن أن تتعدى المستوى المحلي، كما أن الإرهاب لا يمكن إسقاطه عبر غلق المساجد أو غير هذا الإجراء. وعلى العكس، فإن سنّ قانون مكافحة الإرهاب، وإن كان ينطبق الآن على الإسلاميين، فإنه في مرحلة لاحقة سيطبق على الجميع، وهو ما سيحوّل الأمر الى مجرد مسرحية محبكة البناء تشرّع لعودة المراقبة والمعاقبة عبر دولة البوليس.

في هامش هذا التصادم، ظلَّ المتحول مأزوماً بحداثته المعطوبة، ومورطاً في تخوم هذه الدائرة، حتى أنه حاد عن طبيعة الصراع ومضامينها الاجتماعية ونواتها الأولى. وإنه لمن السذاجة الاعتقاد في نزاهة هذه الأطراف جميعها، فهي الآن سبية التغوّل الرأسمالي الذي لا يتورّع في خلق خرافة وتنظيمات توصف بالإرهابية لا لشيء، إلا للتشويش على المسارات الثورية.

ضبابية المستقبل

أمام هذه الأحداث، وتزامنها مع المجازر البشعة التي تشهدها كل من ليبيا والعراق، والهمجية الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعودة التوتّر بين البلدين المجاورين الجزائر والمغرب، نشأت مخاوف كبيرة تذهب في تحليلها إلى أن تونس ستكون محور الأتون القادم، باعتبارها بوابة الدخول إلى الجزائر وتدميرها، وهذه المخاوف لها من التداعيات ما يدعمها حين نتابع مواقف الدولة الجزائرية التي رأت في جبل الشعانبي تهديداً لأمنها القومي.

تبقى بهذا الشكل، جميع الاحتمالات واردة ومفتوحة، دون أن نستطيع التنبؤ بما ستؤول إليه الأحداث في قادم الأيام، وما إذا كانت الانتخابات ستجرى في مواعيدها أم لا، خاصة وأن المؤثرات الخارجية بات لها سلطة كبيرة على شأن القرار في الدولة التونسية التي تشهد ضغطاً رهيباً وزخماً حاداً من الاضطرابات، خاصة بعد توافد آلاف اللاجئين الليبيين، ولا وجود لخارطة طريق واضحة، فكل شيء يجري الآن في سديم قد ينفجر في أي لحظة كنهر من الدم.