مهزلة «داعش»: جديد «الحرب الكبرى الثالثة»
كشفت مجلة «Executive Intelligence Review» الأمريكية، في 20 تموز ١٩٩٠، عن ثلاث حروب كبرى قادمة في الشرق الأوسط، تنتهي بتقسيم الدول العربية إلى دويلات. أما خاتمة هذه الحروب، بعدما يتم تقسيم مملكة آل سعود، فهي تقسيم مصر، باعتبارها الجائزة الكبرى للمخطط الصهيوني العالمي.
كنت حينها في طريقي إلى مهرجان الشبيبة الشيوعية اليونانية، فلفت انتباهي عنوان المجلة الذي يوزعها شباب عند بوابة دخول المطار. وعند قراءتي تفاصيل الحروب الثلاث الكبرى، جلبت انتباهي أمورٌ عديدة، أهمها أن الكيان الصهيوني سوف لن يكون طرفاً مباشراً في هذه الحروب.
لم يمر سوى ١٢ يوماً على صدور المجلة، حتى بدأت الحرب الكبرى الأولى بغزو صدام حسين إمارة الكويت. فاشتعلت الحرب الكبرى الأولى، حسب المجلة، حرب «تحرير أمارة الكويت»، وتدمير العراق وفرض الحصار الوحشي على شعبه، وما تبعها من نتائج كارثية يعاني منها شعبنا حتى يومنا هذا، وستستمر معاناته لفترة طويلة زمنياً.
استكملت هذه الحرب بالحرب الكبرى الثانية، والتي توجت بإسقاط حكم انتهت صلاحية خدماته للإمبريالية الأمريكية، فكان احتلال العراق في ٩ نيسان ٣٠٠٣، والبدء فعلياً وعملياً في تنفيذ الهدف الأساس من هذه الحروب، والذي كشفت عنه المجلة، وهو تقسيم ما هو مقسم أصلاً. وانطلقت البداية من العراق، تحت عنوان النظام الفيدرالي الاتحادي الذي تحول، بعد عقد من الاحتلال ونظام المحاصصة الطائفية الإثنية الفاسد، إلى بلد ممزق لإمارات وإقطاعيات لصوصية تابعة للشركات الاحتكارية النفطية الأمريكية, بلدٌ مهان على يد صبي صهيوني، بخلافة همجية تحرق الأخضر واليابس، تقتل الرجال وتغتصب النساء علناً، وشعب منكوب بين قتيل ومهجر وجائع. وها هي المنطقة العربية تواجه بداية الحرب الثالثة الكبرى، التي أشعلها الكيان الصهيوني اللقيط، بواسطة ذراعه الفاشية «داعش».
ميدانياً, تواصل «داعش» ارتكاب المجازر بحق سكان المناطق المحتلة، وآخرها سنجار، حيث تكرر سيناريو احتلال الموصل، ولكن مع البيشمركة الهاربة هذه المرة, التي وصف عملية احتلالها الشخصية اليسارية الموصلية، صباح كنجي، توصيفاً موثقاً:
«الحقائق التي تقصيناها من أكثر من مصدر.. في المقدمة منها الشنكاريون اقرأها عربياً السنجاريون تؤكد.. عدم وجود مقاومة .. أي نوع من المقاومة حتى لو كانت مجرد إطلاقات في الهواء.. كما يحدث في الأعراس ومناسبات الفرح.. بعد أن وجه الداعشيون، ومن معهم، تهديداً لقوات البيشمركة في السيطرات والمواقع العسكرية والحزبية شملت قيادات ومقرات الحزبين الرئيسيين فيها.. الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكرستاني.. طالبوا فيه إخلاء مواقعهم ومغادرتها دون مقاومة، لقاء فسح المجال لهم بالانسحاب الآمن إلى حيث يريدون.. ومع الفجر.. شمَّع البيشمركة الخيوط.. أغلقوا مقراتهم.. انسحبوا من السيطرات.. أخلوا المواقع العسكرية.. دون أن يطلقوا طلقةً واحدة في مواجهة المهاجمين الدواعش».
هل هو تكرار مهين لمشهد هروب فرق الجيش العراقي من الموصل؟ أم تواطؤ لحسابات برجوازية سياسية ضيقة الأفق، لا تعير اعتباراً لفقدان الأرض وسقوط الضحايا؟ إن الجواب على السؤال يقدمه المشهد السياسي العراقي في الوقت الضائع لانتخاب رئيس الوزراء، الذي مدَّد الرئيس، فؤاد معصوم، مهلته الدستورية لمدة ثلاثة أيام، محتسباً عطلة العيد كوقت ضائع دستورياً!.
ظهر ممثل نوري المالكي ووزير البيشمركة في برنامج يتبادلان التحيات والثناء على دور البيشمركة في شن هجوم مضاد على «داعش» في سنجار، والدعم الجوي من قبل القوات الجوية لهجوم البيشمركة، حد إرسال 5 مروحيات لها. مما يؤكد موقفنا حول المسرحية التي يراد لها تضليل المشاهد- المواطن بقدوم «الحل السحري» لأوضاع البلاد الكارثية، على يد رئيس الوزراء القادم من الطبقة الحاكمة الفاسدة ذاتها.
ويأتي انخراط وسائل الإعلام الصفراء والأبواق المرتزقة، في حملة دعائية ديماغوجية للترويج لهذه المسرحية, تهدف إلى ترسيخ نظام المحاصصة كعرف في الحياة السياسية العراقية، رغم تعارضه تعارضاً مطلقاً مع طبيعة المجتمع وتاريخ الدولة العراقية.