حول «البريكس» والرأسمالية والتوازن الدولي
«بريكس – BRICS»، هو الاختصار لأول حرف من اسم كل من الدول: «برازيل-روسيا-الهند-الصين-جنوب إفريقيا»، وهي الاقتصادات الصاعدة الجديدة، هذا هو التعريف الإعلامي-الغربي لهذي القوة العالمية.
هذه القوة «الاقتصادية الصاعدة» تطالب اليوم بتغييرات جذرية في القوانين الاقتصادية الدولية ومؤسساتها، بدءاً من صندوق النقد الدولي وليس انتهاءً باعتماد سلة عملات للتبادل التجاري الاقتصادي الدولي، بدلاً من احتكار الدولار كعملة وحيدة للتبادل. وتطالب أيضاً بتغييرات في بنية الأمم المتحدة والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. التغييرات التي ذكرناها هي ليست اقتصادية فقط، وإنما تمس بجذرها البنية الاقتصادية المعبّرة عن جوهر التوازن الدولي اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً الذي كان قائماً إلى حينه، بالتالي فإن تغيير تلك البنية هو الانعكاس المباشر لتغير التوازن الدولي بكل مفرداته.
من الاقتصاد.. وأبعد..
الظهور القوي لمجموعة هذه الدول على الساحة العالمية كان عام 2008، مع انفجار الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية، رغم أن نموها الاقتصادي أخذ مؤشراته الواضحة قبل ذلك بسنوات. جاء ذلك الظهور عبر مقترحات ومبادرات «لإنقاذ الاقتصاد العالمي»، في حينه كانت دول الـ«بريكس» تعمل على إنقاذ وحماية الهيئات الاقتصادية الرأسمالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة. وقد استطاعت تلك الدول الانطلاق بتلك المبادرات، بسبب مؤشرات اقتصاداتها المتعافية والمتنامية، وبالتالي «ثقة رأسمال المستثمر» فيها.
لكن، ومنذ ذلك التاريخ، بدأت مقاربات «الدول الصاعدة» ذاتها حول الحلول للاقتصاد العالمي تختلف جذرياً، عبر الانتقاد الشديد لسياسات صندوق النقد الدولي الاقتصادية، وخطورة المديونية العالمية التي ينشرها في البلدان النامية وغيرها، وتطور النقد إلى فعل من خلال إنشاء صناديق وبنوك إقليمية بديلة لصندوق النقد الدولي، ليس بالشكل فقط، وإنما بالتوجه نحو تنمية الصناعات والإنتاج الحقيقي والتنمية البشرية وإرساء مبدأ التساوي والتشاركية بدل التبعية والمديونية والاقتصاد المالي الوهمي.
واستمر تصاعد الاختلاف بين توجهات الـ«بريكس» الاقتصادية وبين الولايات المتحدة ومعسكرها الغربي، تحديداً في مجموعة الـ«8 الكبار G8»، هذا التباين ظهر جلياً في التعامل مع أزمات كبرى، كأزمة السودان قبل انفصاله، والتعامل مع فنزويلا «تشافيز» الاشتراكي ومن حوله التيار اليساري الصاعد في أمريكا الجنوبية، والموقف من الحركات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية بدءاً من 2011.
رأسمالية دول البريكس.. وضرورات التغيير
أجل، دول الـ«بريكس» هي أيضاً رأسمالية، لكن النظام الرأسمالي الذي ساد في العالم من بعد الحرب العالمية الثانية أوصل الاقتصاد العالمي للتأزم المطلق، لا حلول ممكنة على هذا الطريق، هذا ما تعلنه الهيئات البحثية والاقتصادية، والأهم، إن هذه الدول وغيرها ممن تمتلك مقومات النمو الاقتصادي الأعظمي، تريد عالماً مستقراً قابلاً للاستمرار لأنه الاحتمال الوحيد الذي يؤمن استمرارها هي ذاتها.
بتفصيل أوسع، وفق الوصفة السابقة لإدارة العالم اقتصادياً وسياسياً، نسبة توزيع الثروة هي 10% فقط من سكان العالم يملكون 90% من الثروات، و90% من سكان العالم يمتلكون 10% فقط من الثروات، للإبقاء على نسبة الاستغلال هذه يجب فرض السيطرة الاقتصادية على كل دول العالم، وتوجيه نموها بما يخدم هذا التوزيع حصراً، وذلك بكل الوسائل المطلوبة اقتصادياً عبر سيطرة صندوق النقد الدولي، بقروضه القاتلة، وربط الاقتصاد العالمي بالدولار، وسياسياً عبر الاشتقاق من السيطرة الاقتصادية، وبالتالي فرض التوجهات السياسية الخادمة للقسمة ذاتها، وعسكرياً حيثما يلزم وبالشكل المباشر (العراق وأفغانستان نموذجاً) وغير المباشر (أوكرانياً مؤخراً).
بالتالي، فإن تلك الدول صاحبة الإمكانات المادية والبشرية لا أمل لها بالتطور والنمو وفق الوصفة المذكورة، لأنها يجب أن تبقى تابعة بدل أن تكون رائدة، من هنا تحديداً يبدأ الارتباط الوثيق بين صعود دول الـ«بريكس» ومن في تيارّها اقتصادياً، وبين المواجهة السياسية مع المعسكر الذي كان مسيطراً طوال الستين سنة السابقة. وتتضح أكثر واقعية وضرورة تغيير التوازن الدولي بالنسبة للدول الصاعدة، والخطورة الكارثية في هذا التغيير بالنسبة لمعسكر الولايات المتحدة.