قادة الحرب يرسمون تسوياتهم
لم يوقف الانفصال في الجنوب السوداني طواحين الحرب عن الدوران، بل أوصل البلاد إلى حافة الانهيار، حيث بدأ الصراع في البلاد وبرزت الخلافات منذ إقالة نائب الرئيس «رياك مشار»، بتهمة محاولة الانقلاب على السلطة، في 15 كانون الأول الماضي.
ومن ثم تشكيله لجيش التمرد الحالي، ليتلوها انشقاق الفرقتين الثالثة والرابعة في جيش التحرير الشعبي (الذي قاد عملية الانفصال)، وانضمامهما لمشار، ليصبح قادة الأمس متمردي اليوم.
لعنة النفط تفتك بالشعوب
يشكل النفط الهدف الأساسي من الصراع، حيث يرتكز الصراع في الولايات التي تحتوي على المخزون الأكبر من النفط في البلاد. أهمها ولاية الوحدة التي قام جيش مشار بالسيطرة عليها سابقاً، ثم تمت استعادتها من قبل القوات الحكومية بعد صراعٍ دموي بين الطرفين، أدى إلى مقتل نحو عشرة آلاف مواطن، ونزوح ما يقارب المليون شخص إلى المناطق الأكثر أمناً، وموت 50 ألف طفل من سوء التغذية، وتفشي الأمراض، حسب تقارير الأمم المتحدة.
في حين أكدت التقارير نفسها على وجود حوالي ربع مليون طفل آخرين مهددين بالموت، جراء سوء التغذية، فيما أعلنت منظمة «صندوق رعاية الطفل» وجود ثلاثة آلاف طفل وحيدين بدون أسرهم، يعانون من الإصابات الجسدية والنفسية بسبب الحرب.
وكعادتها اتهمت أطراف النزاع بعضها بالقيام بجرائم حرب، حيث اتهمت قوات المتمردين الحكومة باستخدام سلاح كيماوي غير معروف بالنسبة لها في مناطق تمركزها، في حين جرى ضرب ملاجئ للاجئين أودى بحياة المئات، اتهمت به الحكومة قوى المتمردين، ليستمر تكرار هذه الممارسات ضد المواطنين بشكل ممنهج من الطرفين.
عصا الغرب «تؤدب» حلفاءها
وفي الوقت الذي تدعم فيه بريطانيا حكومة جوبا، وصفها المستثمر الأساسي للنفط هناك، قادت الولايات المتحدة نشاط دولي بمشاركة الأمم المتحدة، وبعض الدول المجاورة لجنوب السودان، كأثيوبيا وكينيا، «لاحتواء الأزمة» والمحافظة على مواقع نفطية لها في المنطقة. وقد قامت الولايات المتحدة بتصوير الصراع الدائر على أنه تناحر عرقي بين قبيلة «الدينيكا» التي تدعم رئيس الحكومة، و«النوير» المحسوبة على زعيم المتمردين، بالإضافة إلى إدانة طرفي الصراع، واتهامها بإيصال البلاد إلى أوضاع كارثية، وفرض عقوبات اقتصادية على قائدين عسكريين ينتميان إلى طرفي النزاع، هما «بيتر جاديت» القائد المتمرد، والميجر جنرال «ماريال تشانونج» قائد عسكري في القوات الحكومية.
ويبدو أن الضغط الذي مارسته القوات الحكومية على جيش المتمردين، من حصار وضرب مواقع، أدى إلى رضوخ الأخير، بعد خسارته مواقعه في ولاية الوحدة، واضطرار زعيمه مشار إلى اللجوء لغاباتٍ نائية قريباً من الحدود الأثيوبية، مما أدى إلى ارتفاع العصا الأمريكية لتأديب حلفائها الجنوبيين، بعد اشتداد دوامة العنف واتخاذها مساراً خارج سيطرتها.
لايزال الراعي الغربي في أزمة السودان الجنوبي ذاته، منذ التحضير للانفصال وفي مراحل النزاع الدائر الآن، وهو ما قد يجر البلاد إلى تسويات لا تحمد نتائجها، ولن يدفع ثمنها سوى السودانيين وحدهم.