هل يلج العراق مرحلة الإنقاذ الوطني؟

هل يلج العراق مرحلة الإنقاذ الوطني؟

إن نهج تحويل ما أطلق عليه «عملية تحرير العراق» من الدكتاتورية الفاشية إلى «النظام الديمقراطي» لم يؤد إلا إلى تصنيع «جمهورية القطيع الغريزي». وهي جمهورية غير قابلة للحياة.

كما أدى الوهم القومجي الصدامي إلى حرب مستمرة على العراق، وإنهاك قواه المادية بحيث جعله فريسة للاحتلال، فإن محاولة تقديم «الديمقراطية» المصنعة أمريكياً في دولة فاشلة اقتصادياً ومؤسساتياً وسياسياً لا ينتج غير أوهام الحلول الدموية التفتيتية، المتعارضة على طول الخط مع المشروع الوطني التحرري العراقي. فقد أنهكت الحقبة الفاشية القوى الحية في العراق، ودمرت قواه الاقتصادية والبشرية والروحية في حروب متواصلة، بالنيابة عن الإمبريالية الأمريكية, كما تنهك حقبة ما بعد 9 نيسان 2003 البلاد والعباد.
منذ انقلاب 8 شباط 1963 وحتى اللحظة الراهنة، كان الاقتصاد العراقي رأسمالياً ريعيا تابعاً. يعاني اليوم من ضعف شديد في الزراعة والصناعة، عدا عن دمار البنية التحتية وانعدام الخدمات الأساسية. فمساهمة القطاعات الإنتاجية لا تتجاوز 3% في الزراعة و1% في الصناعة، وتعاني البلاد من نسبة بطالة عالية، خصوصاً بين أوساط الشباب حيث بلغت 39%، مليون طفل معوق و5 ملاينين طفل يتيم، إضافة الى 70% لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب و80% لا يحصلون على خدمات الصرف الصحي وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة وانعدام الأمن الغذائي . وإن 44% يقل دخلهم الشهري عن 85 دولار. أما نسبة الفقر في الريف فقد بلغت 65%. ولم تقدم الحكومات المتعاقبة، بعد 9 نيسان 2003، سوى عمليات نهب منظمة لمورد النفط وعسكرة الاقتصاد والمجتمع فقد بلغ الإنفاق العسكري للفترة (2003-2013) نحو 125 مليار دولار. إضافة إلى خضوع الاقتصاد العراقي إلى شروط  ثالوث نهب الشعوب - البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
خاض الشعب العراقي الانتخابات بنسبة مشاركة عالية رغم الإرهاب والفساد، رافعاً شعار التغيير، وآملاً بالتخلص من الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة، وتتواصل على الأرض الفعاليات الجماهيرية الاحتجاجية التي يشارك فيه مختلف قطاعات المجتمع، وفي طليعتها الطبقة العاملة العراقية. مما يوفر أرضية موضوعية لانطلاقة المشروع الوطني التحرري العراقي، ويقطع الطريق على إعادة إنتاج نظام المحاصصة الفاسد.
فالعراق ما بعد انتخابات 2014،  يقف على عتبة فترة انتقالية جديدة، وفي ظل ظرف إقليمي مؤات، إذا ما أحسن ولوجها بمشروع وطني تحرري وببرنامج اقتصادي- اجتماعي وسياسي شامل، يحرر المجتمع من التخندق الطائفي الاثني ويطلق طاقاته الإنتاجية والإبداعية، بالتزامن مع الإقدام على خطوة وطنية لا تقبل المرواغة والمراوغة، نعني بها إلغاء ما يسمى – اتفاق المصالح الاستراتيجي – مع الغازي الأمريكي، كما يمكن اعتماد دستورعراق ثورة 14 تموز 1958 الوطنية التحررية، الذي نص ولأول مرة على شراكة العرب والأكراد في الوطن العراقي، دستوراً مؤقتاً حتى كتابة دستور جديد يضمن تأسيس الدولة الوطنية الديمقراطية.
عندها يمكن هزيمة مشروع بايدن التقسيمي المسمى بالفيدرالية، ويمكن الإطاحة برموزه اللاوطنية المتخادمة مع الإمبريالية الامريكية. وقطع الطريق على القوى الإرهابية المتحالفة مع فلول النظام الساقط بالاحتلال التي تطلق على نفسها، زوراً وبهتاناً، تسمية «الثورة العراقية ومجلسها العسكري» التي تخطط للقفز إلى السلطة بوسائل العنف والتآمر مع الدول المعادية للعراق وشعبه.
إن نجاح أية حكومة جديدة يقتضي مشاركة جميع القوى الوطنية العراقية المؤمنة بالخيار الوطني التحرري، التي يمكن ان يطلق عليها تسمية الكتلة التأريخية ، وبمشاركة شاملة وجامعة من دون إقصاء أو تمييز أو تهميش لاعتباراتٍ سياسية أو دينية أو اثنية .

صباح الموسوي* :منسق التيار اليساري الوطني العراقي