يا مقاومي العالم.. اتحدوا!
منذ انهيار النظام الكولونيالي العالمي أثناء وبعيد الحرب العالمية الثانية، كانت المقاومة وما تزال أكثر ما يخيف قوى الرأسمال العالمي وأتباعه من مترفي الثراء في كل بلدان العالم.. ولا يفوتنا التذكير بأن عصب وقوة أية مقاومة ضد الاستغلال والظلم كان بالأساس من الطليعة الواعية في أي مجتمع من المجتمعات وكانت تلك الطليعة تحظى بتأييد شعبي، يتعاظم تدريجياً مع ثبات المقاومة ووضوح أهدافها ومنظومة القيم الوطنية والأخلاقية التي تتمسك بها وتضحي من أجلها مهما بلغت التضحيات.
.. ومن هنا تحول رموز المقاومة وقادتها إلى ضمير الشعب في كل مكان وزمان، من خوسيه مارتي وسيمون بوليفار وتشي غيفارا في أمريكا اللاتينية، إلى عز الدين القسام ومحمد جمجوم في فلسطين، ويوسف العظمة وسلطان الأطرش في سورية، وعبد الناصر في مصر، وجاك ديكلو في فرنسا، وفرج الله الحلو وحسن نصر الله في لبنان، وفهد الحبوبي في العراق، وصولاً إلى كل الجنود المجهولين الأبطال في المقاومة العالمية الحالية ضد الإمبريالية والصهيونية وأتباعهما من الرجعية العالمية على الساحة الدولية!
.. وهذا يؤكد الحاجة لرفع شعار إضافي على شعارات قوى العملية الثورية العالمية وهو: «يا مقاومي العالم اتحدوا»، ولعل ما يبرر هذا الشعار ليس فقط حجم «التعاون والتضامن» والمخططات العدوانية المشتركة لقوى رأس المال المعولم والمسلح وأدواته في مختلف بلدان العالم ضد الشعوب بهدف إركاعها ونهب ثرواتها، بل بسبب تشابك مصالح تلك القوى نظرياً وميدانياً، والتي تتجاوز كل الهويات الوطنية والحدود الجغرافية من أفغانستان حتى أمريكا اللاتينية، فمنذ أحداث 11 أيلول 2001 أقامت واشنطن شبكة سجون في العالم للمقاومين (المخلوطين عمداًً بالإرهابيين) من باكستان حتى غوانتنامو، ينقل نزلاؤها من مختلف بلدان العالم عبر الطائرات وبتسهيلات من عشرات الأجهزة الاستخباراتية في أوروبا والدول العميلة للإمبريالية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويبقى الهدف الأساس هو ضرب وتدمير وإخماد جميع المقاومات القائمة ومنع احتمال امتدادها إلى مناطق لم تشتعل فيها بعد.
إذا كان المخطط الأمريكي- الصهيوني على المستوى الكوني الآن يستهدف بالدرجة الأولى شعوب المنطقة الواقعة جنوب وشرق المتوسط إلى قزوين بالاحتلال والحروب والاعتداءات المباشرة، وكذلك بالتفتيت جغرافياً وديمغرافياً عبر تسعير الصراعات الأثنية والدينية والقبلية، فإن الرد المنطقي المطلوب من هذه الشعوب في المواجهة الحالية والمواجهات اللاحقة هو توحيد قواها وتعميق التضامن فيما بينها ونبذ الصراعات الثنائية المصطنعة، والحذر مما تحيكه الدوائر الإمبريالية والصهيونية من سيناريوهات الفتن المتنقلة بين الشعب الواحد والشعوب المتجاورة والمتآخية منذ قرون في هذا الشرق العظيم.
القضية الآن أصبحت أكبر وأخطر من مقولة «فرق تسد» على مستوى منطقة جغرافية محدودة، بل تدخل فيها عناصر عدة ومتشابكة من المصطلحات الخادعة والتي ظهرت كالفطر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحتى الآن على شاكلة «النظام العالمي الجديد، الشرق الأوسط الكبير، الخطر النووي الإيراني، الدول المارقة، محور الشر، السوق الحرة، وتحرير التجارة بمواصفات الليبرالية الجديدة، نشر الديمقراطية، الخ».
.. وبالعودة إلى منطقتنا بالذات، وهي أكبر وأخطر نقطة ساخنة في العالم، نلاحظ أن القوى الإمبريالية والصهيونية بما في ذلك الرجعية العربية- القديمة والجديدة- منشغلة بالدرجة الأولى بالعمل عسكرياً واستخباراتياً وإعلامياً واقتصادياً من أجل ضرب المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وعزلها عن محيطها الشعبي، أولاً، وعن الدول القليلة جداً التي تساندها في المنطقة كسورية ولبنان، ثانياً!.
وإذا كانت واشنطن وتل أبيب قد فشلتا فشلاً ذريعاً في حربي 2006 و2009 في لبنان وغزة، وفشلتا أيضاً في استمرار عزل سورية إقليمياً ودولياً على مدى السنوات الخمس الماضية بذريعة «اتهامها» في اغتيال رفيق الحريري، فإن القوى المعادية التي ذكرنا لم تستسلم بعد، فها هي عبر ما يسمى بـ«المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»، والتي قررها مجلس الأمن- الرهينة لواشنطن- بتاريخ 30/5/2007 تحت الفصل السابع، تحاول عبر حملة من الحرب النفسية والإعلامية غير المسبوقة خلق مناخ معاد للمقاومة اللبنانية، ممثلةً بحزب الله، في الداخل اللبناني وعلى النطاق العربي على حد سواء، وذلك قبل صدور «القرار الظني» المستنسخ عن حيثيات قرار مجلس الأمن رقم 1559 الصادر عشية اغتيال رفيق الحريري.
وهنا لابد من التذكير بخطورة الدور الذي يؤديه القسم الباقي من فريق 14 آذار اللبناني في خدمة الأهداف المرسومة أمريكياً وإسرائيلياً منذ إقامة «المحكمة الدولية» ضد المقاومة في لبنان وقواه الوطنية كافة عبر خلق «فتنة» طائفية داخلية خطيرة، مع احتمال جدي بقيام الكيان الصهيوني بعدوان جديد على «الجبهة الشمالية»، ومحاولة إنجاز ما فشلت في تحقيقه حرب تموز نتيجة الصمود الأسطوري للمقاومة في لبنان.
إن أهم ضمانة لإفشال احتمالات العدوان ووأد الفتنة الطائفية هو تعزيز الوحدة الوطنية والاعتماد على قوى الشعب واعتبار المقاومة وحمايتها فرض عين على كل المستويات، وعند ذاك فقد يمكننا ليس هزيمة العدوان المرتقب وحسب، بل التقدم خطوةً جديةً أخرى على طريق هزيمة المشروع الأمريكي في المنطقة وزوال الكيان الصهيوني!