«مصالحة وطنية»... أم اتحاد مأزومين!

«مصالحة وطنية»... أم اتحاد مأزومين!

بعد تأخر دام سبع سنوات تأتي المصالحة الفلسطينية على عجل، فالانقسام الذي صُدّر منذ حزيران 2007 على أنه «حمساوي-فتحاوي» يُختتم اليوم بـ»مصالحة” قيل عنها أنها وطنية، لتخرج قيادات الحركة السياسية الفلسطينية لتزف للشعب الفلسطيني هذه المأثرة. ففي ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والأزمات الدولية المشتعلة، تحاول القيادات الفلسطينية أن تدعي أنها استثناء..

بداية علينا أن نؤكد على أمر أساسي وهو أن هذه «المصالحة» تأتي ولو شكلياً في سياق التغيّرات الإقليمية والدولية التي عمت المنطقة، وإن شهدت العديد من الساحات العربية انقسامات وطنية حادة تعكس عمق الأزمات في الأنظمة العربية، فالتوافق الفلسطيني ليس استثناءً من تطورات المنطقة.

جاء التوافق السريع على «المصالحة» أشبه بالمعجزة، لكنه ليس إلا تجلياً للتغيرات الإقليمية المبنية على تعزز القطيعة بين الحركة السياسية ومصالح شعوبها من جهة، وعلى تراجع الهيمنة الأمريكية والغربية على أدواتها السياسية من جهة أخرى. هكذا يمكن فهم ذهاب سلطة أوسلو وحركة حماس لـ»لمصالحة»، ولكنها مصالحة لم تعكس مصلحة الشعب الفلسطيني بمقدار ماعكست أزمة الحركة السياسية الفلسطنية.

انقسام وطني أم فصائلي؟

لم يكن الانقسام الفلسطيني انقساماً بين حركتي «فتح” و”حماس” بمقدار ما هو انقسام بين خط وطني وخط لا وطني، فهكذا كان في عام 2007، وإن تجاوز هذا الانقسام اليوم ربما يعني أن التخوم بين حركتي “فتح” و”حماس” قد ذللت، لكن التخوم بين الوطني واللاوطني لاتزال غير قابلة للتذليل. لكن ما ذا يعني ماحصل؟

تعاني سلطة أوسلو من مأزق الاستمرار بالمفاوضات العبثية، فالضغوط الأمريكية والصهيونية عليها كبيرة للاستمرار في المفاوضات والتنازلات، وتعي السلطة أن أي تنازل جديد قد يكون مهلكتها ما لم يوفر له غطاء داخلي وإقليمي، وتأتي هذه المصالحة لتأمين حد ما من التغطية الداخلية بعد أن أمنت الجامعة العربية غطاء الاستمرار بالتفاوض مؤخراً. 

حركة حماس أيضاً تعاني أزمة معقدة، فهي في تراجع شعبي وسياسي على المستوى الداخلي ناتج عن طريقتها الاستئثارية في إدارة قطاع غزة وتراجع دورها المقاوم وتخبطات قيادتها في ما يخص الملف المصري والسوري. لقد أدى انحياز قيادات حماس للمشروع الإخواني على المستوى الإقليمي وتورطها غير المفهوم بالحدث المصري إلى إشكالات إقليمية، ناهيك عن دورها السيء في الحدث السوري الذي أثر على الحراك بشكل سلبي.

آفاق “المصالحة”؟

بالإمكان الاستنتاج أن كلا الطرفين ينطلق من أزمته لتجاوزها وذلك عبر مصالحة غير مبنية على ثوابت الشعب الفلسطيني، وإن النتيجة الحتمية لسيناريو اتحاد طرفين مأزومين لن يولد إلا أزمة جديدة تعمق من مشاكل الشعب الفلسطيني. فما ظهر من المصالحة حتى اللحظة هو اتفاق على انتخابات وحكومة وحدة وطنية من «التكنو قراط» ستدير شؤون الحياة اليومية التي ستتعقد مع احتمالات الضغوط “الإسرائيلية” على هكذا مصالحة، فقد أعلنت «إسرائيل» رفضها للتفاوض عقب المصالحة. كما إن النتيجة الأهم  لهذه “المصالحة” هو تأجيل الأسئلة الكبرى التي تمثل عناصر أزمة الانقسام في الحركة الوطنية الفلسطينية وأهمها اليوم فكرة الاستمرار بنهج المفاوضات من عدمه. فقد أعلن عباس استمراره بالمفاوضات فيما ظلت حماس تعيد تكرار التصريحات حول عدم جدوى المفاوضات! إذاً بالإمكان السؤال كيف سيتم وضع برنامج موحد لحكومة المصالحة؟؟ أم أن القضية ستترك للانتخابات، أم أن هناك تنازلات عن ثوابت وطنية تحت عباءة “المصالحة”؟!!

بكل الأحوال إن محاولات تجاوز كلا الطرفين لأزمتهما عبر «اتحاد المأزومين» لن يزيد إلا من تراكم الأزمات والتي اعتاد الشعب الفلسطيني على مواجهتها بمزيد من الإصرار، مما يعني أن عناصر تحرك شعبي واسع بوجه هذه القوى المأزومة أمرٌ حتمي قد يؤدي إلى إنتاج جديد لحركة وطنية من رحم الأزمات في الأفق المنظور...