حرب باردة جديدة
Global Times Global Times

حرب باردة جديدة

انتهى عصر ما سمي الحرب الباردة منذ أمد بعيد، ولكن عقلية الحرب الباردة ما زالت تلقى آذاناً صاغية لدى الكثيرين من العلماء في الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

فالمعسكر الاشتراكي  واجه الولايات المتحدة  في الحرب الباردة عسكرياً وأيديولوجياً واقتصادياً ، ومع نهاية تلك الحرب التي لم تكن باردة كثيراً ، بدا للبعض أن سياسة المواجهة بينهما قد ولت.

إلا أن المنافسة بين تلك البلدان لم  تنته، فذكريات الحرب الباردة  ما زالت حية وباقية في أذهان من عاشوا تلك المرحلة ،وهناك مخاوف حقيقية  من اندلاع حرب باردة أخرى ولكن هذه المرة ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

تشعر بلدان عديدة بأنها بحاجة إلى تعزيز جهودها  لتأمين  مصالحها الوطنية  في الوقت التي تتغير فيه الشبكة الاستراتيجية العالية، فدائرة عدم الثقة بدأت تتوسع بين القوى الكبرى وفي الكثير من المناطق .

والولايات المتحدة كأكبر قوة في العالم  تعتبر من أكثر الدول التي تسعى إلى تحقيق أمنها وغالباً ما يؤدي حذرها هذا إلى نشوء سياسات عدوانية مع الدول الأخرى، فتبنّي الولايات المتحدة ايديولوجية معادية كان السبب الرئيسي بأن السياسات العالمية بعد فترة الحرب الباردة  لم تستقر من الناحية الاستراتيجية .

قد لايشهد التاريخ حرباً باردة بين الصين وأمريكا، ولكن الشيء الوحيد الذي لا يمكن تجنبه بشكل كامل هو نشوء مواجهة وتوتر بين تلك الدولتين .

فهناك آراء تقول بأن الولايات المتحدة  والصين تنظران إلى بعضهما البعض كأعداء ،لأن الأولى تملك أكبر اقتصاد بالعالم وهو الآن في طور الهبوط والثانية تملك ثاني أكبر اقتصاد بالعالم وهو الآن في طور الصعود .

فعلى الصين أن تبقى دائماً على أهبة الاستعداد ، وهذا هو بيت القصيد لتأمين سلامتها ، كما على الجانب الصيني أن يعي ويقدر ويقيم الوضع الناشئ في العالم، وفي حال تخلي الصين عن هذا المبدأ من جانبها فقط فإن ذلك سيعرضها للخطر.

فهل ذهب الغرب والولايات المتحدة بعيداً في سياساتهم العدائية تجاه الصين ؟  

إن هنالك إشارات واضحة تشير إلى ذلك ،قد لا تكون هذه الإجراءات نتيجة عداوات عميقة، ولكنها ردة فعل طبيعية  على الصعود السياسي والاقتصادي لدولة الصين الشعبية، فالمسؤلون والناس في الغرب على حد سواء يتقاسمون ردة الفعل تلك .

فحذر الصين تجاه الغرب هو أمر دفاعي بحت، ولحماية حقوق تطورها السلمي ، وهذا قد يسمى بالحد الأدنى بالحيطة والحذر ، ولكن الغرب حتى الآن لا يستطيع أن يتقبل هذا الحذر، والأنكى من ذلك  فأنه يزيد من سياساته العدائية تجاه الصين، فإذا كان الأمر كذلك فعلى الغرب والعالم بأسره أن يتحمل عواقب تلك السياسات الخاطئة 

فانعدام الثقة  بين الدول ما زال مستمراً ومع ذلك فالصين ما زالت تفكر بشكل واقعي وتمارس سياسة ضبط النفس  على مبدأ من يضحك أخيراً سيضحك كثيراً.

والمتابع للشؤون الاقتصادية  والسياسية في العالم يرى تقاطعاً ما بين السياسة والسوق العالمية ، وأن معظم  المناطق التي شهدت اقتصادات ناشئة وتمر الآن بمرحلة انتقالية تعاني من مخاطر جيوسياسية واقتصادية وحتى بنيوية .

ويرى الباحثون بأن أكثر المخاطر التي من الممكن أن تحدث هو إعادة التوازن الذي يحصل ما بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا العالم المتقدم حتى الآن يركز جل اهتماماته على التحديات الاقتصادية الداخلية كما في أوروبا التي تعاني من أزمة تضرب دول منطقة اليورو واحدة تلو الأخرى ،وكذلك الولايات المتحدة  التي تمر الآن بأزمة مالية خانقة تهدد وجودها من حيث البنية الاقتصادية وكما تهدد الولايات المتحدة من كونها ولايات متحدة  تمتد من سقف الديون إلى المسائل المتعلقة بالميزانية ومروراً بأزمة الدولار .

فاليابان تعاني من أزمة سياسية واقتصادية وحتى الآن لم تتعاف من الكارثة  النووية التي حلت بها  من جراء ذلك الزلزال الضخم.

يركز الناس يوماً بعد يوم  جل اهتمامهم على القضايا الرئيسية، والتغيير الأكبر والذي ربما يكون  صادماً للكثيرين بأن الولايات المتحدة الأمريكية والتي هي أكبر اقتصاد بالعالم سوف لن تبقى على ما هي عليه الآن ،وبأن دولاً ناشئة سوف تحل محلها في الصدارة ولربما بشكل متناقض تماماً مع تلك البنى والنظم السياسية والاقتصادية السابقة.

الولايات المتحدة الأمريكية لا تثق بالصين لا عسكرياً ولا اقتصادياً فالأولى تدعم تايوان عسكرياً والثانية تدعم البرنامج النووي لكوريا الشمالية وإيران ، فهل سنشم في الشهور المقبلة  رائحة الحريق الذي سيندلع أثناء الحرب الباردة  بين الصين وأمريكا.

ترجمة: مشعل  شيخ نور