كامب ديفيد الجديدة !!
تتطور الأحداث في سيناء سريعاً وبالرغم من ذلك يبقى الغموض سيد الموقف . شهدت الأحداث في مصر وتحديداً في منطقة سيناء تصاعداً غير مفهوم بالنسبة للكثير من الذين وقفوا يأملون خيراً من مجلس الإخوان والسلفيين في مصر وعلى رأسها حكومة مرسي .
بعد أن كانت ثورة مصر والتي لم يكن زادها فقط أزمة اقتصادية اجتماعية خانقة للشعب المصري بل وكذلك تراجع سياسي و وطني لدى الحكومة السابقة عبأته قوى العمالة والفساد في نظام مبارك. اليوم يبدأ المشهد بعد وعود السيد مرسي رئيس الجمهورية، وخلال الأيام الماضية ،بزيارة رئيس استخبارات قطر لرئيس الاستخبارات العامة المصرية والتي لاقت استنكاراً من الشعب المصري رافقها اعتصامات أمام مبنى البرلمان وفي ساحات القاهرة والاسكندرية والسويس في ظل تعتيم إعلامي شديد. وفي هذه الأثناء تبدأ أحداث سيناء بطريقة غامضة ليسقط الشهداء، ويبدأ تشييع جديد في مصر، ظاهره تشييع جثامين شهداء مصريين وباطنه تشييع معبر غزة الشرعي والوحيد إلى العالم العربي ومعابره غير الشرعية من انفاق أضطر الغزيون لإنشائها بعد أن ضاقت بهم سبل العيش وتخاذل العرب تجاه تراجع أحوالهم الإنسانية.
ولم تنته القصة بالإجابة عن سؤال من المستفيد؟ لأن الأحداث تطورت في مصر بعد الأزمة على مستويين:
الأول على المستوى السياسي إذ بدأ الرئيس محمد مرسي بإقالات داخل الحكومة أهمها إقالة رئيس مجلس القوات المسلحة الطنطاوي ومساعده رئيس هيئة الأركان وتعيين عوضاً عنهما ضباطاً ينسب إليهم الإنتماء للإخوان. وبالعودة إلى ما بعد ثورة مصر والانتخابات المصرية، كان ملاحظاً عدم الاتفاق سياسياً بين المجلس العسكري والبرلمان ومن ثم رئيس الحكومة ، حيث ظهر الإختلاف السياسي واضحا بتغيير الحكومة القديمة والإعتماد على وزير الري المنتمي للإخوان لتشكيل الحكومة الحالية ، ووقوف المجلس العسكري متوجسا فترة طويلة بعد تسلم مرسي الرئاسة .
لم يخف محمد مرسي نواياه تجاه الوضع مع اسرائيل ،فهو في عدة تصريحات متبادلة مع الحكومة الاسرائيلية تمنى إيجاد صيغ جديدة للسلام الشامل بين البلدين، و كما أن غيابه عن تشييع جثامين الشهداء كان ظاهرة لافتة للنظر. أما الرد الرسمي الذي أعلنه بإغلاق معبر رفح وإغلاق الأنفاق بين غزة ومصر،وتعاونه مع الاسرائيليين في ما يسمى عملية تطهير سيناء كلها فيشير إلى كامب ديفيد في حلة جديدة للمرحلة القادمة .
أما على المستوى الثاني فقد أضحت أحداث سيناء نقطة التحول في وعي الشعب المصري ، إذ بدا واضحاً الالتباس الذي تعانيه أغلب الشعوب تجاه الإسلام السياسي بشكل عام ،وعند المصريين ومحاولتهم الثقة بحكومة من هذا النوع بشكل خاص. إذ أن أزمة سيناء أعادت إلى أذهان المصريين مباشرة اتفاقية كامب ديفيد وعملية التحييد التي أبعدت مصر والمصريين عن القضايا الوطنية، فكان الرد الشعبي واضحا ضد الإخوان، والحكومات العميلة وضد محمد مرسي حتى لو تطلب ذلك ثورة جديدة في مصر.
ومن الجهة المقابلة تقف اسرائيل، وهي غير قلقة كما يرد في وسائل الاعلام الاسرائيلية والعربية والغربية بسبب غياب الأمن في سيناء، بل وهي مرتاحة في قرارة نفسها لأسباب كثيرة :
الأول أن عملية سيناء ستؤمن حماية لها من جهة غزة في حال تصاعد الوضع في سورية، واشتدت الأزمة مع إيران (التي قد تصل إلى مرحلة الضربة العسكرية )ويتم ذلك بتعهد حكومة مصر بضمان أمنها وعلى الأخص من الغزيين المتهمين الأوائل بهذه العملية ،والمتضررين الأساسيين منها بالرغم من استبعاد ، سيناريو الحرب من الكثير من الاستراتيجيين والمحللين وبهذه الحالة تتفعل إتفاقية كامب ديفيد من جديد، ليس فقط من حيث عملية نزع السلاح العربي المصري في المنطقة، بل ومن حيث ضرب المقاومة الفعلية في غزة من الجانب المصري على أساس (مكافحة الإرهاب)والذي ماهو إلاذريعة مستخدمة في المنطقة لتبرير التواجد العسكري الغربي .
ومن المعروف أن السياسة الاسرائيلية دائما تعمد إلى تأمين حدودها قبل أي حرب تخوضها، وهذا يقودنا تلقائياً إلى المتضرر الأساسي من عملية سيناء وهو قطاع غزة حيث بات واضحاً أن عزل القطاع ليس الهدف منه اقتصادياً فقط بل وعسكريا أيضاً، وهو ما تنبهت إليه اسرائيل بعد خطاب السيد حسن نصر الله والذي تحدث فيه عن أن صواريخ غزة البسيطة أنزلت ما يفوق المليون اسرائيلي إلى الملاجئ، وبالتالي أصبحت هناك ضرورة للقضاء على هذه القوة بالرغم من تواضعها وهو مايتطلب قوى عربية عميلة لإنجازه حتى لاتقع إسرائيل في مطب المواجهة وهذا شأن الولايات المتحدة في تأمين هذه القوى .
السبب الثاني هو قيادات الفصائل الفلسطينية وخصوصاً حماس ،التي أصبحت في موقف المدافع عن نفسه، وبحالة النأي بالنفس وهذا التحول ليس كما كان مفترض ـ من حالة الهجوم إلى الدفاع ـ بل من حالة المتواطئ (بحجة الدعم المادي لغزة) إلى حالة المذنب وهي صورة إعلامية مناسبة لإسرائيل في هذه الظروف وفي ظل ربيع تونس ومصر تحديداً.
السبب الثالث على المستوى الدولي، الذي بدأ بتصريحات الولايات المتحدة أن على اسرائيل الارتياح من حيث أمنها من جهة مصر، وأنها ضامنة لسياسة الحكومة المصرية برئاسة محمد مرسي، بالإضافة إلى الشراكة الفرنسية الإسرائيلية المصرية في إغلاق الأنفاق، حيث تم استدعاء خبراء فرنسيين لإغلاق الأنفاق من داخل غزة ومن جهة مصر، بموافقة قادة حماس ومصر، وهو ما يشير إلى بنية حكومة مصر الجديدة ونواياها وعمالتها للغرب الأمريكي والأوروبي حليف مبارك القديم ويثبت عملية الالتفاف على الثورة عبر العملاء الداخليين (الإخوان والسلفيين) من أجل أمن اسرائيل ومصالح الغرب في المنطقة.
وهكذا يمكننا من القول إن أزمة سيناء أكبر من أنها عملية إرهابية، بل هي عملية سياسية على مستوى دول المنطقة، تجري ضد الشعب الفلسطيني، وتماشياً مع ظرف الأزمة السورية، والتوازنات الدولية ولن تكتمل تفاصيلها الآن ،بل سيكون الشعب المصري والفلسطيني هو الأساس في تحديد مصيرها.