مصر أمام بعض التحديات..أولها خطط الإخوان الاقتصادية
إن ضرورات إعادة بناء مصر الوطنية تستدعي بكل وضوح موقفاً حاسماً من معاهدة كامب ديفيد وكل مفرزاتها وفي هذا الإطار يشكل صعود الإخوان المسلمين -وبرنامجهم الانتخابي الذي حصل فيه محمد مرسي على مقعد الرئاسة- مربط الفرس وسيتم الإضاءة على أجزاء من هذا البرنامج ولكن قبل كل شيء سنضيء على واقع وتحديات الاقتصاد المصري.
يشكل الدين العام حجر الزاوية فهو مؤشر على ضعف الموارد الذي يدفع الحكومة للاقتراض مما يؤدي لاحقاً إلى رهن كل الاقتصاد إلى مصادر هذه الأموال، فمصدر التمويل الخارجي يجعل مصر رهينة للخارج أمام مصادر التمويل الداخلية فهي على الغالب تؤخذ من كبار الممولين ممايعني ارتهان عوائد الاقتصاد المصري للأغنياء دوناً عن فقراء البلاد .
كان الدين العام الخارجي في نهاية الثمانينيات هو عصب مشكلة المديونية لمصر حيث بلغ في ذلك الحين نحو 52 مليار دولار، ولم يتراجع مستوى الأزمة إلا بعد الموقف المؤيد للغرب إبان حرب الخليج الثانية ، وهو ما دفع مؤسسات التمويل الدولية للوصول إلى اتفاق لتسوية الديون الخارجية لمصر وإسقاط نسبة 50% منها، مع تطبيق مصر أجندة صندوق النقد الدولي أو ما عرف باسم برنامج الإصلاح الاقتصادي، وبالفعل اكتمل تطبيق هذا البرنامج مع نهاية عام 1997 وأُسقطت نسبة 50% من دين مصر الخارجي منذ ذلك التاريخ.
لكن في الوقت الذي تراجع فيه الدين العام الخارجي، كانت السياسات الاقتصادية بشكل عام، والمالية منها على وجه الخصوص، تساعد على تفاقم الدين العام المحلي، فبلغ حجم الدين العام في مصر -وفق بيانات البنك المركزي المصري في نهاية كانون الأول 2011- ما قيمته 1.33 تريليون جنيه، منها 1.13 تريليون جنيه ديون محلية و204 مليارات جنيه ديون خارجية.
وبذلك تكون نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 89.1%، وذلك على اعتبار تقييم الناتج المحلي بالأسعار الجارية، ولكن إذا تم حساب هذه النسبة وفق الأسعار الثابتة للناتج المحلي فسنجد النسبة تقفز إلى نحو 130%. وإذا أخذنا بأقل التقديرات فإن المعايير الدولية تطالب بألا تزيد نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي على 60%.
وتشير تفصيلات الدين العام المحلي في مصر في كانون الأول 2011 إلى أن الدين المحلي الحكومي بلغ 894.6 مليار جنيه وهو ما يعادل نسبة 79%، بينما ديون بنك الاستثمار القومي بلغت في التاريخ نفسه 171.9 مليار جنيه أي يعادل نسبة 15.1%، ثم الهيئات الاقتصادية بنصيب 66.5 مليار جنيه وبنسبة 5.9%. وحسب بيانات موازنة العام المالي 2011/2012 فإن أعباء خدمة الدين العام في مصر بلغت 106 مليارات جنيه فوائد وهي تفوق كتلة الرواتب في الحكومة التي تبلغ حوالي 104 مليار جنيه، وبلغت قيمة أقساط السداد 102 مليار جنيه .
وبعد ثورة 25 يناير لوحظ أن الحكومات الانتقالية عملت بنفس أدوات السياسة المالية تجاه قضية الدين، حيث تستسهل آلية الاقتراض، ولا تتخذ خطوات للبحث عن موارد جديدة غير الاقتراض، أو تقديم برنامج واضح لتخفيض قيمة الدين ونسبته للناتج المحلي الإجمالي. ففي ظل تفاقم مشكلة الدين العام المحلي، أعلنت حكومة الجنزوري برنامجها لاقتراض نحو 11 مليار دولار من الخارج لتغطية العجز في الموازنة العامة للدولة لعاميْ 2010/2011 و2011/2012.
وفي حالة دخول رغبة حكومة الجنزوري حيز التنفيذ فإن ذلك يعني زيادة الدين العام الخارجي بنسبة 33% في عامين فقط ، كما جاءت حكومة الإخوان لتستمر بالأسلوب نفسه وتبدأ المشاورات على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة تزيد على 3 مليار دولار كما أعلنت قطر بعد زيارة محمد مرسي لها ايداع مبلغ 2 مليار دولار في البنك المركزي المصري في محاولة لاستيعاب احتمالات النهوض المصري من عملاء الولايات المتحدة.
الأزمة الغذائية:
توضح البيانات التالية ضعف الأداء الاقتصادي لقطاع الزراعة بمصر، فلم تزد مساهمته في إجمالي الناتج المحلي عن نسبة 13.4% في فترة 2010-2011، كما أن هناك فجوة كبيرة بين الواردات والصادرات الزراعية لصالح الأولى منذ ثلاثة عقود، وهو ما ينتج عنه وجود عجز في الميزان التجاري الزراعي لمصر.
فحسب بيانات فترة 2009-2010 بلغت الصادرات الزراعية 18.1 مليار جنيه مصري (297 مليون دولار)، في حين بلغت الواردات 26.3 مليار جنيه (4.3 مليارات دولار)، بعجز في الميزان التجاري الزراعي بلغ 8.2 مليارات جنيه (1.3 مليار دولار)
كذلك تظهر البيانات أن زيادة المحصول المتحققة بين العامين 1996 و2010 محدودة للغاية، ففي حين تمت زيادة قدرها 1.2 مليون فدان (504 آلاف هكتار) في مساحة الأراضي الزراعية لم تزد الأراضي المستغلة إلا بنحو 1.6 مليون فدان (672 ألف هكتار)، حيث كانت مساحة الأراضي الزراعية في العام 1996 نحو 7.6 ملايين فدان (3.1 ملايين هكتار)، ووصلت في العام 2010 لنحو 8.8 ملايين فدان (3.6 ملايين هكتار)، وانتقلت المساحة المستغلة للفترة نفسها من 13.7 مليون فدان((5.7 ملايين هكتار إلى 15.3 مليون فدان (6.4 ملايين هكتار).
أما بخصوص الإكتفاء الذاتي من أهم السلع الزراعية فإن مصر تعاني عجزاً، إذ لا تتجاوز نسبة الاكتفاء في القمح 59.4%، وفي الذرة الشامية 58.3%، وفي السكر 72.3%، وفي الفول البلدي 38.4%، وفي الزيوت النباتية 18.8%. وإن كانت هناك سلعة واحدة تحقق فيها مصر فائضا فهي الأرز، حيث تبلغ نسبة الاكتفاء الذاتي 115.8%..
أمام الحقائق المدونة أعلاه يخرج برنامج الرئيس مرسي ليعلن عن الاستمرار في نهج مبارك أي نهج اقتصاد السوق حيث أكد حسن مالك المسؤول عن الملف الاقتصادي في حزب العدالة والتنمية المصري ، أكد أن اقتصاد مصر في المرحلة القادمة لن يكون إلا اقتصاد سوق حر وأضاف: « أن هذه الرؤية تدعم الاقتصاد المنضبط وأن السوق الحر والمنافسة الشريفة هما الأساس في التقدم والتنمية»، وأما عن دور الدولة، فقال: « لها دورا رئيسيا في النشاط الاقتصادي والإصلاح المؤسسي يتركز في الجانب الرقابي والتحفيزي».
كما تحدث الإخوان في برنامجهم التنموي عن خطة تستهدف مساهمة قطاع الزراعة المستهدف في عام 2023 ب 5% من الناتج الإجمالي الحالي فقط وهو مايعني تهميش هذا القطاع وإمعاناً في ربط مصر مع الخارج حيث يؤدي العجز في تلبية حاجات مصر من موراد غذائية داخلية إلى عجز في الميزان التجاري وارتهان سياسي للدول المصدرة مما يعني ضرب أهم أسس الأمن القومي. إن الحقائق المسرودة أعلاه تفتح على فصل محدد من التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد المصري والتي يتصدى لها الإخوان المسلمون ببرنامج اقتصادي سيزيد من مشكلات مصر الاقتصادية وسيعزز من تبعية مصر للخارج.