فجيعة النظام الرسمي العربي بفشل أوباما

فجيعة النظام الرسمي العربي بفشل أوباما

كنا قد كتبناً مراراً في مواجهة من كتبوا وحاضروا وحللوا واستبشروا خيراً بـ«نجاح أول رئيس أمريكي أسمر البشرة ومن أصول إسلامية لا يعتبر الإسلام عدواً للغرب». وبمعزل عن التذكير بكل ما قيل وكتب بعيد وصول باراك أوباما لسدة الرئاسة في البيت الأبيض، هاقد مضى أكثر من عامين على انتخاب «الرئيس الأسمر» وها هو يخسر الغالبية الديمقراطية في مجلس النواب ويجري الحديث عن ضعف سلطته في العامين الباقيين له في البيت الأبيض، ناهيك عن التوقعات بعدم التجديد له لولاية رئاسية ثانية!.

.. كنا قد أكدنا ومن واقع سلوك الإدارات الأمريكية كافة، وخصوصاً في الخمسين سنة الماضية، أن الاستراتيجية العامة للإمبريالية الأمريكية ضد الشعوب لا تسمح بوصول أي رئيس للبيت الأبيض لا يخدم تلك الاستراتيجية، أو حتى يتقاعص عن تنفيذها، خصوصاً أن أي رئيس أمريكي منذ أيام هاري ترومان لا يصنع السياسات بل ينفذ ما رسمته الدوائر الاحتكارية الكبرى في الخفاء من سياسات على الصعيدين الداخلي والعالمي. ومن هنا كانت مراهنة معظم قادة النظام الرسمي العربي كمن يراهن على قربة الماء المثقوبة ودليلنا على ذلك فيما يأتي:

ـ أعطى الرئيس أوباما قادة دول الاعتدال العربي كلاماً معسولاً ووعوداً بـ«حل القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي» وبالمقابل قدم لحكومة نتنياهو أكثر من ستة مليارات دولار وكل ما طلبته من عتاد حربي متطور وشكل لها غطاءً سياسياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية لكل ما اقترفته من جرائم بحق الشعب العربي الفلسطيني في الضفة والقطاع- ولعل أكثر ما قدمه باراك أوباما من إهانات للنظام الرسمي العربي هو تبني مقولة «يهودية الدولة» وتهويد القدس المستمر، مقابل تصريحات خلبية حول إقامة الدولة الفلسطينية على ما تبقى من أرض فلسطينية مقطعة الأوصال لم يطالها التهويد بعد.

ـ بعد خطابه حول إعادة تموضع الجيش الأمريكي في العراق المحتل، ينتشر الإرهاب بصورة جديدة في بلاد الرافدين، عنوانه الخارجي الصراع بين الكتل السياسية- والتي جاءت قياداتها على دبابات الاحتلال- وجوهره منع الوصول إلى تشكيل حكومة عراقية وتسعير الصراعات الإثنية والطائفية الداخلية وضرب المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال وصولاً إلى تهيئة المناخ لانقلاب داخلي تتحكم به قوة الاحتلال وينفذ سياساتها بما يتلاءم مع المخططات الأمريكية- الصهيونية في المنطقة!.

ـ بعد فشل ما أسماها أوباما بالاستراتيجية العسكرية الجديدة في أفغانستان وكذلك فشل الدور الباكستاني فيها، جاءت التصريحات الأمريكية حول اليمن وخطر وجود «القاعدة» فيها لتؤكد أن إدارة أوباما تسير قدماً في خلق بؤر التوتر وتفجيرها عند اللزوم من أفغانستان والقفقاس وآسيا الوسطى، وصولاً إلى الخليج واليمن والقرن الإفريقي. وتكفي الإشارة إلى استباحة أجواء اليمن بالطائرات الأمريكية دون طيار كمقدمة لمجيء القوات الأمريكية والأطلسية على الأرض. كما أصبح واضحاً ما يجري من عمل جدي وخطير لتقسيم السودان سواء بصفقة مقايضة مع النظام أو بدون ذلك، لأن قادة الجنوب قالوها مراراً «إن إسرائيل عدوة الشعب الفلسطيني، وليست عدوةً لجنوب السودان، وسبق أن ساعدتنا أكثر من العرب..»!.

ـ استفاد الرئيس الأمريكي «الأسمر» من كرم قادة دول الخليج لمعالجة بعض جوانب الأزمة التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي، فكان الإعلان عن صفقة العصر بين واشنطن والرياض والبالغة ستين مليار دولار ثمن طائرات عسكرية لن تستخدم ضد أي عدوان إسرائيلي، بل يجري توظيفها سياسياً في العداء ضد إيران وبالوقت عينه تؤمن تلك الصفقة خمسين ألف فرصة عمل في المجمع العسكري الصناعي الأمريكي.

ـ لم يستمر طويلاً الحديث الأمريكي عن الحوار مع سورية، حيث بدأت لغة الإملاءات والترغيب والترهيب تطل برأسها من جديد (تصريحات فيلتمان وكلينتون نموذجاً)، وقد ترافق كل ذلك مع التصريحات الإسرائيلية بأن «الجيش الإسرائيلي أصبح جاهزاً لأي عمل عسكري سواء في الشمال أو الجنوب»، ومن جهة ثانية- وهذا الأهم- ترافق رفع عقيرة التصريحات الأمريكية ضد سورية مع سيل التصريحات والتسريبات حول قرب صدور «القرار الاتهامي» عن المحكمة الدولية ضد المقاومة في لبنان. وكل هذا يفسر حجم العناد المشبوه لدى ما تبقى من فريق 14 شباط اللبناني والذي يرفض فتح ملفات «شهود الزور» الذي استغله سابقاً جورج بوش وجاك شيراك خمس سنوات ضد سورية، ويحاول أوباما وساركوزي استغلال وجود المحكمة الدولية ضد لبنان وسورية وإيران، وعلى الخصوص ضد خيار المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وكل مكان في المنطقة.

بعد كل ما تقدم، نقول وبطريقة أوضح إن كل من يراهن على أية إدارة أمريكية ولا يرى عدوانيتها وتحالفها العضوي مع الكيان الصهيوني وقادة دول الاعتلال العربي، ليس فقط يراهن على قربة مثقوبة، بل يفرط بالسيادة الوطنية ويضع نفسه في موقع النقيض مع شعوب هذا الشرق العظيم ورأس حربته فصائل المقاومة والتي هي شرف وضمير هذا العصر، عصر بداية انهيار الإمبراطورية الأمريكية.