الانتخابات المصرية..  وكاسرو الإضراب
ابراهيم البدراوي ابراهيم البدراوي

الانتخابات المصرية.. وكاسرو الإضراب

لتبرر موقفها من دخول الانتخابات، وفي مواجهة الدعوة للمقاطعة التي تبنتها قوى المعارضة الجذرية في مصر لسلطة مبارك، ركز خطاب المؤيدين للمشاركة على المطالبة بضمانات لنزاهتها، رغم علم الجميع بأنه لا ضمانات في ظل التعديلات الدستورية التي تضمنت إقصاء القضاء عن عملية الإشراف.

 قوى المشاركة تدرك أن التزوير كان يحدث دوماً، كما تعلم هذه القوى أن العملية الانتخابية قد تطورت لتصبح انتخابات سابقة التجهيز، تستخدم فيها قوة المال وهيمنة الشرطة.

تدرك هذه القوى أن هذه الانتخابات هي مقدمة للانتخابات الرئاسية (تمديداً أو توريثاً للابن) . كما أن انتخابات المجالس المحلية الأخيرة، وانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى كانتا تجارب حية تمهد للانتخابات القادمة.

وتدرك أيضاً أن السلطة الحاكمة قد دخلت مرحلة من التوحش والهمجية، وأن أزمتها قد وصلت إلى حدود مروعة، وأنها تحارب معركتها الأخيرة من أجل البقاء، ولذلك فإنها قد تخلصت من أية قيود أو ضوابط تشريعية أو سياسية أو أخلاقية. أي أنها قد انتقلت الى حالة «الخيار صفر» في كل سياساتها وسلوكها وممارساتها.

لم تتخذ أية إجراءات لأية ضمانات.. فقط تصريحات ووعود شفهية بالنزاهة، سواء من الرئيس أو من رموز السلطة، وهذا ما سبق إطلاقه قبل كل انتخابات، وهو ما يعني اعترافاً صريحاً بأن سابقتها كانت مزورة.

رغم ذلك، رفضت أحزاب المعارضة، وعلى رأسها الوفد والتجمع والناصري، وأكثر من عشرين حزباً مجهولاً، دعوة المقاطعة التي أطلقتها قوى اليسار الشيوعي والناصري وحزب العمل (مجمد) والحركات والتجمعات الشبابية الجديدة. أضيفت لها جماعات أخرى ليبرالية أدركت سلامة موقف الداعين للمقاطعة كخطوة أولى نحو العصيان السلمي على ضوء عدم استجابة السلطة لأية مطالب بضمانات، وهو ما أدى إلى انتصار الأجنحة المؤيدة للمقاطعة داخل هذه الجماعات.

رغم حوارات عديدة وواسعة واتصالات متكررة مع جماعة الإخوان المسلمين، ورغم وجود مجموعة منهم مؤيدة للمقاطعة، ورغم التجربة الذاتية للجماعة في انتخابات مجلس الشورى، حيث لم يمر أي من مرشحيهم، إضافة إلى عمليات الاعتقال اليومي لكوادرهم، فإنهم لم يستجيبوا لدعوة المقاطعة، بل أقلعوا عن المشاركة في أية فعالية تقوم بها قوى المعارضة الجذرية. ولم يكن هذا الموقف غريباً، بل إنه يأتي متسقاً مع سلوكهم السياسي طوال تاريخهم، وخصوصاً في المنعطفات الهامة.

لكن الموقف الغريب فعلاً كان موقف الأصدقاء في حزب الكرامة ذي التوجه الناصري، الذي رفضت السلطة التصريح بقيامه، إذ لا يمكن أن تكون هناك التباسات أو قصور في إدراكهم للواقع السياسي ومستجداته، فهم شركاء رئيسيون في كل الفعاليات السياسية، وفي حواراتنا المشتركة، ولذا فإن القرار الغريب الذي اتخذوه يثير ألف تساؤل؟؟ إذ برغم رفض دوائر هامة داخلهم، فقد كان قرارهم مزدوج الطابع، يتضمن المقاطعة والمشاركة في آن واحد!! أي مقاطعة الانتخابات على أن يستثنى عضوي مجلس الشعب الحاليين «حمدين صباحي» و«سعد عبود» من قرار المقاطعة، ويسمح لهما بخوض الانتخابات!

هكذا تبلور المشهد بوضوح.. قوى المقاطعة على اختلاف منطلقاتها، وقوى المشاركة بتنوعها.

***

انتهت الانتخابات فعلياً، فما سيجري يوم 28 نوفمبر الجاري المحدد للتصويت ليس أكثر من إجراء شكلي تماماً، فهى انتخابات سابقة التجهيز بالفعل، استحدثت آليات للتزوير (جرى تجريبها في انتخابات مجلس الشورى) مختلفة عن التزوير الفج داخل اللجان كما كان يحدث سابقاً.. إنها عملية تعيين وليست عملية انتخاب، غير أن المفارقة هي أن المعينين من أحزاب المعارضة كان تعيينهم سابقاً على تعيين أعضاء حزب الجماعة الحاكمة، لأن الأخيرين دخلوا في منازعات واسعة وتزاحم محموم بين أكثر من 15000 متقدم للترشيح لاختيار حوالي 550 مرشحاً، ووصلت الأمور لحد استخدام العنف والتشابك بالأيدي وتبادل الشتائم المهينة.. وحدثت عمليات تمرد وتحد للحزب وترشح من خارج قوائمه. وهو ما يشير إلى احتمالات استخدام العنف فيما بينهم قبل، ويوم التصويت. وفي هذه المعركة الداخلية كانت قوة المال حاضرة وحاسمة!.

***

التبرير الذي يسوقه فريق المشاركة، بعد أن استهلك مطلب الضمانات دون جدوى، هو أن المشاركة هي لكشف وفضح عمليات التزوير، وهذا تبرير متهالك، لأن التزوير سوف يكون لمصلحتهم كما لمصلحة مرشحي الحزب الحاكم.

لم يعد هناك أي مجال للحديث عن حقوق دستورية أو ضمانات قانونية أو رقابة من أي نوع، فقد سبق وطالبت النخبة بتعديل الدستور، وتم تعديله بإزالة كثير من النصوص الجيدة، وأقحمت محلها نصوص استهدفت تثبيت الطبقة الحاكمة وسلطتها السياسية.

القضية تجاوزت كل المطالب الإصلاحية من سلطة لم تعد تحترم الدستور أو القانون أو أحكام القضاء التي تصدرها أرفع المحاكم، كما أن الأمور قد تجاوزت أكذوبة الرقابة الدولية على الانتخابات التي يجريها نظام يحظى بمساندة أعداء الجنس البشري الإمبرياليين والصهاينة الذين لا تعنيهم مصر ولا يعنيهم شعبها. فالأمر لا يعدو أن يكون استفادة المتمولين الذين يحصلون على ملايين الدولارات لإدارة هذه الرقابة المزعومة، خصوصاً مع طباعة 600 مليار دولار سوف تغرق العالم وتشتري الذمم والضمائر الخربة وتجند العملاء.

في يوم الانتخاب الوهمي، سوف يتأكد الموقف الصحيح، كما سيتأكد الموقف الخاطئ، والأهم هو أن الناس البسطاء الذين يقاطعون مهزلة الانتخابات تلقائياً ودون جهد منا، سوف يدركون سبب هذا التزاحم والتطاحن لدخول الانتخابات من أناس غالبيتهم القصوى لا علاقة لهم بالسياسة أو بالتشريع، ولكنهم معنيون فقط بما سيحصلون عليه.. المعدم سيكون مليونيراً، والمليونير سوف يكون مليارديراً، أما الوطن والجماهير والديمقراطية... فلا محل لها على الإطلاق. 

انقاذ الوطن، والخروج من المحنة، له طريق واحد لا بديل عنه هو الثورة.. هو التغيير الجذري الشامل وصولا إلى الاشتراكية، وليس باستخدام أساليب الإصلاحيين أو كاسري الإضراب.