البحرين.. على مشارف الحوار
واجهت الحركة الشعبية في البحرين منذ انطلاقتها قمعاً مزدوجاً، فمن قمع السلطات الحاكمة في البحرين التي استعانت بالقوات الخليجية «درع الجزيرة» وصولاً إلى التعتيم الإعلامي الذي يصر على إلغائها من الخريطة الثورية في المنطقة أو اتهامها بالنزعة الطائفية.
إن ميزة الحدث البحريني أنه كما الحدث السوري، أحدث إحراجاً واضحاَ لكل الأطراف التي تدعي خوفها على الحريات والديمقراطية فالغرب المنافق وحلفاؤه في دول الخليج مافتئوا يتشدقون بمصطلحات حقوق الإنسان والتغير والديمقراطية في الحدث السوري، بينما دفع الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي يرابط أسطولها الخامس في البحرين إلى اجتياح البلاد والقضاء على أي توجه ثوري فيها.
تعود البحرين اليوم إلى المشهد و إن بخجل، فالتغطية الإعلامية لاتزال منحازة للملك وأعوانه، لتؤكد أن الصراع في البحرين سيفضي إلى حوار سياسي بعد سنتين من العنف والقمع.
ففي الأسابيع الماضية طالبت المعارضة بحوار «جاد وهادف» يحقق المطالب الشعبية بالتحول نحو الديمقراطية، أو «تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون للمعارضة نصف مقاعدها وتتولى هي الإعداد للحوار».
وفي المقابل رد النظام الحاكم بالبحرين على لسان سميرة رجب وزيرة الدولة لشؤون الإعلام قائلة: «أن دعوة ممثلي الجمعيات السياسية والمستقلين من مكونات المجتمع السياسي في البحرين لاستكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي، هي دعوة مباشرة من عاهل البلاد حمد بن عيسى آل خليفة للجلوس على طاولة الحوار لكل الأطراف السياسية في البحرين بهدف الوصول إلى التوافق النهائي. كما دعت السلطات البحرينية أحزاب المعارضة لترشيح مندوبين عنها للمشاركة في الحوار، وأعلن خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين أن «الجمعيات السياسية هي من سيقود الحوار، مؤكداً أن الدولة لن تتدخل وستوافق على ما سيتم الاتفاق عليه بينها».
رغم هذه الدعوات التي تبدو أكثر انفتاحاً من الدعوات السابقة إلا أنها تتوخى على مايبدو ضرورة تجريد الحركة الشعبية البحرينية من حقها في التظاهر والاحتجاج مقابل الحوار، حيث أكد الوزير ضرورة الابتعاد عن «سياسة الشارع» قائلاً:
«هناك فرق كبير بين الحوار والتظاهر وبين سياسة الجلوس على الطاولة وسياسة الشارع، فسياسة الشارع لم تنفعنا بشيء.. لقد آن الأوان لكي نجلس على طاولة الحوار، والجميع مطالبون بتقدير الرأي الآخر واحترام الرأي والرأي الآخر باعتباره من أهم مقومات العمل السياسي».
لكن المعارضة التي جربت الملك ونظامه عدة مرات سابقاً، لاتزال غير واثقة بمدى جدية هذه الدعوة، فرغم حديثها عن استعدادها لـ «حوار جدي يلبي المطالب المشروعة لشعب البحرين» ، إلا أنها شددت على ضرورة وضع آليات لاتخاذ القرارات وتنفيذها وضرورة وضع جدول زمني واضح حول موعد انطلاقة الحوار ونهايته . كما طالبت بإجراءات عملية تضمن شرعية شعبية لهذا الحوار وذلك من خلال تشكيل مجلس تأسيسي أو إجراء استفتاء شعبي على هذا الحوار. و في وقت لاحق أكدت المعارضة البحرينية الممثلة بالجمعيات الست (الوفاق، الإخاء، وعد، المنبر التقدمي، التجمع القومي، الوحدوي) أنها سلمت وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة، خطاباً موقعاً باسم هذه الجمعيات يتضمن رؤيتها للحوار. وقد تضمنت رؤيتها ضرورة أن تكون «نتائج المفاوضات هي قرارات وصيغ دستورية، وليست توصيات». كما قالت إنها ستخوض الحوار بفريق مفاوض واحد وذلك للمطالبة بحقوق الشعب بأطيافه المختلفة والتي تتمثل وفقاً لوجهة نظر المعارضة في تشكيل السلطة التنفيذية المنتخبة التي تعبر عن الإرادة الشعبية، وتشكيل وصلاحيات السلطة التشريعية، والنظام الانتخابي العادل، واستقلالية السلطة القضائية، وتحقيق الأمن للجميع، والتجنيس السياسي، الفساد، التمييز».
أما على المستوى الدولي فقد لاقى حوار البحرين الذي دعا له الملك ترحاباً من الاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة ، كما رأت موسكو بالحوار أنه توجه بناء من المعارضة والنظام الحاكم وشددت على ضرورة التسوية السلمية لإصلاح المجتمع .
ورغم كل هذه الأجواء التي توحي باقتراب مخرج سياسي ما، إلا أن الشارع البحريني كأي شارع ثائر لم يهدأ بعد، ولن يهدأ قبل الوصول لأهدافه بالتغيير الحقيقي والجذري فخرج المئات من المتظاهرين أيام 25 و30 كانون الثاني وواجهتم قوات الأمن بالقمع واعتقلت العشرات منهم ، في مشهد يوحي بأن النظام الحاكم مُصرّ على الاستمرار بالنهج الأمني ذاته .