البدراوي: الجماهير دخلت في تحدٍّ كبير ضد سلطة الإخوان
أجرت صحيفة قاسيون اتصالاً هاتفياً مع الرفيق ابراهيم البدراوي، ممثل حركة اليسار المصري المقاوم، للتعليق على الأحداث الملتهبة في الشارع المصري حالياً.
وجرى الحديث على أربعة محاور هي تقييم المشهد الميداني في مصر، ومآلات الوضع الراهن إلى الفوضى أم الى استكمال الثورة وحول مواقف بعض القوى السياسية المعارضة، واحتمالات اتخاذ الجيش لموقف واضح حيال الوضع الجديد.
في المحور الأول حول تقييم ووصف المشهد الميداني الحالي في مصر.. تحدث البدراوي قائلاً:
ممكن أخذ المشهد الميداني المصري من زوايا عديدة، فالوجه الأول له يعكس أن الحركة الجماهيرية غير المنظمة أسبق بكثير من حركة النخبة السياسية وهي مفترقة عنها سواء بالأهداف أو بالخطاب السياسي. فهنالك انقسام بين أحزاب النخبة التي اتخذت موقفاً إصلاحياً من جهة و بعض الأحزاب القديمة كالماركسيين والناصريين التي اتخذت موقفاً صحيحاً.
إن أحزاب النخبة التي تتمكن من إيصال خطابها ولديها شكل رسمي تتصف بشكل من أشكال الإصلاحية، وفيما يتعلق بأدائهم السياسي عموماً وحول فكرة الحوار خصوصاً الذي يجري الحديث عنه، فهم يتكلمون في إطار المسائل السياسية العامة التي لاتقترب إطلاقاً من الوضع الاقتصادي الاجتماعي وتحديداً في ظل مشروع الإخوان المسلمين الذي سيفضي إلى بيع الوطن بالكامل وذلك عبر مشروع «الصكوك السيادية الإسلامية» أو ضمن أي تسمية أخرى، فهم سيبيعون قناة السويس والسد العالي والكهرباء والصرف الصحي والموانئ والمطارات من خلال مشاريع تعطي امتيازاً أو تأجيراً لآجال طويلة من 60 إلى 90 سنة للأجانب وغيرهم كقطر التي تريد أن تأخذ قناة السويس كاملة وليس المجرى المائي فقط بل ضفتي القناة بعمق 20 كيلومتراً في الشرق والغرب.
وعن دور النخب السياسية المعارضة أو التي في السلطة يقول الرفيق البدراوي:
النخبة السياسية بعيدة كل البعد عن هذا فلا يهتم لهذه النقطة سوى الحزب الناصري ونحن كيسار شيوعي. فالنخبة تريد أن تحاور وتفاوض على أرضية الاقتصاد الحر والمشروع الرأسمالي القائم وهم بذلك يريدون أن يأخذوا نصيبهم في كعكة الوطن، فهم لا يقتربون من الشأن الاجتماعي الاقتصادي. وهؤلاء يريدون الحوار والتفاوض على أرضية مختلفة كلياً عن أرضية القوى الوطنية والشعبية الحقيقية التي تريد الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية، ولذلك نجد أن الجماهير في المظاهرات لاتزال ترفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» كونها أسبق بكثير من النخبة السياسية.
من زاوية أخرى لا نجد أحداً سواءً الحكومة ولا حتى النخبة السياسية قادرة على التعامل مع حركة الشعب في الشارع وهم غير قادرين على تطويع هذه الحركة، فالجماهير دخلت في تحد كبير ضد سلطة الإخوان ورئيسهم «مرسي» وهي ترفضها بشكل قطعي، وبالتالي نرى أن الأمور منفلتة من الجميع والأمور لن تهدأ طالما ظل المستوى المعيشي للناس وإحساسهم بالكرامة الوطنية معدوماً. وفي هذه الأوضاع لا إمكانية للسيطرة على الشارع أو تهدئته، فالشارع يريد تغييراً جذرياً في السياسات التي كانت قائمة، فلأجل ذلك قامت الثورة التي كانت تفتقد للطليعة في حين كانت النخبة والسلطة تسير في اتجاه مضاد لها.
ومن هنا نرى أن الهدوء لن يعود إلى الساحة المصرية إلا بخلع هذا النظام وإسقاطه، فهذا النظام خائن وعميل ويبيع الوطن بشكل لم يسبق حدوثه لا في مصر ولا في أي مكان من العالم. إن القضية الملحة الآن هي كيفية بناء نوع من الطليعة تستطيع أن تقود هذا التحرك الواسع، وهي غير مكونة حتى اللحظة نتيجة ضعفنا من جهة ونتيجة شلالات الأموال التي تُمنح لمصلحة قوى الثورة المضادة، فعملياً هناك صعوبة أمامنا نحن ورفاقنا في الحزب الناصري. لكن، كون دفتر هذا الانفجار الشعبي لم يغلق بعد ومازال مفتوحاً، فهنالك إمكانية- إذا ماعملنا جيداً- لتغيير خط سير الأحداث.
إن مصر لن تعرف الاستقرار طالما أن سلطة «مرسي» والإخوان يحاولون استلاب الدولة المصرية لحسابهم الخاص دون مراعاة لا لمستقبل وطن ولا لمستقبل الشعب، وهم لا يؤمنون بالوطنية كونهم جماعة فوق وطنية وفوق قومية، فهم كيان دولي متعدد الجنسيات وإمكاناته المالية هائلة.
إن برنامجهم الاقتصادي يقوم على إضعاف الانتاج الحقيقي في الاقتصاد لمصلحة قطاعات المال والبورصة والتجارة، وهم لا يملكون أية رؤية لبناء هذا الوطن وهم معادون للجماهير فعلاً وبالتالي فالأوضاع منفلتة ولن تهدأ في المدى المنظور إلا بإحداث تغيير واسع أو إقصاء للجماعة عن السلطة السياسية في مصر.
للتأكيد طبعاً أنا لا أقصد بالحزب الناصري تيار حمدين صباحي، بل أقصد الحزب الناصري الذي تمسك بثوابت التجرية الناصرية التي أؤيدها بالكامل بصرف النظر عن آراء بعض الناس حول أخطاء هذه التجربة، وبما يخص التأثير الشعبي فهو تيار شعبوي لايمت للناصرية التي نعرفها بأي صلة، وبجب أن لاتنخدعوا بهؤلاء فهم يسيرون في إطار سياسة الاقتصاد الحر مع البرادعي وعمرو موسى ومع مجموعة الأحزاب التي لاتريد إلا جزءاً من كعكة الوطن.
- أما عن مآلات الوضع في مصر، فوضى أم نحو استكمال الثورة، يجيب البدراوي:
الفوضى قائمة وكبيرة، والمسألة مرتبطة ارتباطاً كاملاً بإمكانياتنا الضعيفة نحن قوى اليسار الثوري والناصريين الحقيقيين وجزء من الحركة الشعبية، وعلينا أن نشكل طليعة تستطيع أن تؤثر في الرأي العام الجماهيري، فالرأي العام مصاب كما الحركة الشعبية بحالة من اليأس، وقد دخلت الجماهير في مواجهات واسعة وقد تكون اختارت خيار «شمشون» تلك الأسطورة التي تتحدث عن هدم المعبد.
إن الجماهير في جهة، والحركة السياسية التي تدعي أنها معارضة في جهة أخرى والإخوان المسلمون في جهة أخرى أيضاً. ونحن نسعى رغم عدم توافر الإمكانيات لأن نكون قوة، وذلك من خلال سعينا لبناء الجبهة العمالية ونأمل في يوم من الأيام القريبة أن نكون رقماً في معادلة الصراع في مصر وإلا ستذهب مصر إلى الجحيم.
يقدر البدراوي موقف الجيش المصري في ثورة يناير عالياً ويؤكد مجدداً:
إن الجيش المصري هو العمود الفقري للدولة المصرية وهو مؤسسة وطنية، وتعرض في الفترة الماضية لضغوط كبرى لم يتحملها أحد وذلك من قِبَل الإخوان المسلمين ومن قبل نخبة سياسية منحطة ومن قبل الأمريكيين. فرغم أنه حمى الجماهير في الميدان _ ولولاه لذبحنا_ إلا أن المظاهرات خرجت لاحقاً لتقول «يسقط حكم العسكر» وذلك في الوقت الذي لايوجد هتاف واحد ينادي بإسقاط الجيش «الإسرائيلي» أو الجيش الأمريكي. فنحن في صدد مؤامرة محبوكة لأن شلالات الأموال التي دخلت إلى مصر بهدف جر الشعب إلى مواقف عدائية ضد الجيش المصري لايتخيلها أحد.
ينبغي إيجاد سند شعبي للجيش المصري وهو مانعمل عليه، فما من مشروع نهضة في تاريخ مصر الحديث أي من حوالي 207 سنين منذ أيام محمد علي إلا وكان قائماً على أساس تحالف عسكري– مدني أو مدني- عسكري. فمشكلة النخب المدنية في تاريخ مصر الحديث أن هدفها كان اقتسام الثروة والسلطة. فثورة الـ19 ونخبة محمد علي ونخبة الثورة العرابية وثورة 23 يوليو كلها كانت قائمة على أساس تحالف مدني عسكري له مشروع نهضوي قائم على الاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي وتصنيع البلد وتنميتها.
إن الرهان الآن على الجيش ولكنه يجب أن يستشعر ظهيراً شعبياً له، فنزول بعض القوى المأجورة سواء مايسمى بحركة الاشتراكيين الثوريين أو 6 أبريل أو التيار الشعبي أو غيره ليهتفوا «يسقط حكم العسكر» وهم في عداء مع الجيش، فذلك يعقد الوضع. وإذا أصبحنا رقماً في المعادلة السياسية سوف تتعدل كثير من الأمور، لكن المشهد الراهن يوحي بأنه لا استقرار ستعرفه مصر في المراحل القادمة قبل أن تتغير المعادلة السياسية فيها وقبل أن تتمكن القوى الوطنية من إقصاء وطرد هؤلاء الفاشيست التابعين المجرمين الإرهابيين الذين يطلقون على أنفسهم الإخوان المسلمين.