عينٌ على باب المندب

عينٌ على باب المندب

يدخل اليمن من جديد في دائرة الصراع الدولي، لكن هذه المرة بإجماع مجلس الأمن وعقده جلسة إستثنائية وذلك رغم توتر شوارعه ورغم تواجد ميليشيات «القاعدة» على أراضيه.

يبدو أن هذه المحاولة من الولايات المتحدة ودول الخليج العربي تأتي ضمن محاولة جديدة لتطويع اليمن، وذلك بعد محاولة احتواء الحراك الشعبي الذي انتفض ضد حكومة علي عبدالله صالح. يتضح أن حسابات هذه الدول في هذه المرة تجاوزت المطامع في تحويل الحراك الشعبي عن مساره الثوري وذلك بغية تحويل اليمن إلى قاعدة عسكرية، وجعل حكومته الحالية موالية للغرب، وسعياً للسيطرة على إمكاناته الاقتصادية والبشرية.

وفي هذا السياق جاء  طرح مجلس الأمن ودول مجلس التعاون الخليجي لقضية تدريب الجيش اليمني لأجل محاربة تنظيم القاعدة ورغم أن هذا الأمر لم يكن جديداً فمنذ عهد حكومة علي عبدالله الصالح تواجدت القوات الأمريكية على أرض اليمن بالذريعة نفسها إلا أن الجديد الآن هو تبرير وجودها دولياً وإنشاء ثلاث قواعد عسكرية أمريكية. إن الخدمة التي سيؤديها تنظيم القاعدة –أحد أهم صنائع الولايات المتحدة- للأمريكي هي إحياء فكرة تقسيم اليمن، وهو الملف الإشكالي الذي يُعاد طرحه الآن كجزء من عملية إرباك الحالة الثورية.

يدخل اليمن الحسابات الدولية كمنطقة ذات بعد استراتيجي هام، فرغم أن البلاد تعاني من أزمات كبرى أهمها الملف الاقتصادي، حيث يصل معدل الفقر إلى 54 % وفقاً لتقديرات البنك الدولي لعام 2011 ونسبة البطالة تبلغ 60 %، إلا أن الغرب بات يوليها اهتماماً استثنائياً في هذه الأيام لا لحل مشكلتها الاقصادية طبعاً بل لزيادة ربط حكومتها بسياساته على مايبدو. وفي هذا المجال نلحظ تصريحات الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي حول وجود أكثر من 500 بئر غاز مازالت مقفلة واستعداده لفتحها أمام استثمار ات أمريكية وتحديداً شركة توتال النفطية؟!

يبدو أن الاستراتيجية الأمريكية وجدت منفذاً هاماً للمساعدة في الخروج من أزمتها، حيث يحتل اليمن مركزاً مهماً بسبب  الموقع الجغرافي الهام الذي يشرف على مضيق باب المندب، الممر المائي الدولي، والذي تستطيع من خلال سيطرتها عليه  أن تحقق أهدافاً استراتيجية هامة.

ربما يكون أحد أهم الأهداف المفترضة هو ضرب حركة نقل النفط الإيراني كنوع من الرد على التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز، وكذلك أيضاً لاستخدام أراضي الربع الخالي لتحويل خطوط نقل النفط البري وحصرها ضمن أراضي دول مجلس التعاون الخليجي، أما الأهم من ذلك فهو السيطرة على الموارد الإقتصادية التي تحتاجها الولايات المتحدة حاليا بشدة لتخفيف أزمتها.

 يبدو أن سناريو التدخل الأمريكي غير المباشر هو المتبع الآن في اليمن، وذلك لأسباب عديدة أهمها ليس مايشاع عن تواجد تنظيم القاعدة ومقاومته للتواجد الأمريكي، بل بسبب تواجد قوى شعبية واسعة تقودها أحزاب سياسة مناهضة للولايات المتحدة نشطة في الشارع اليمني.

قد يأتي الرد على هذا العرض بأن الولايات المتحدة هي أصلاً القوى المهيمنة الوحيدة على كل أراضي الخليج وبما فيها اليمن، فما ضرورة الدخول والتورط بشكل ما في المستنقع اليمني طالما أنها تهيمن على كل مداخل الخليج؟

 إن هذا الرد يُغيّب عن عمد عدة أمور أبرزها محاولة الولايات المتحدة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يشمل تقسيم المنطقة العربية بما يتوافق مع المصالح الأمريكية و»الإسرائيلية» ولو بالحد الأدنى. ناهيك عن ذلك تخوف الولايات المتحدة من المناخ الجديد السائد وغير المستقر في المنطقة، ومحاولة استقطابه عبر بوابات اقتصادية وتشكيلات سياسية وليدة تشكل بديلاً للتشكيلات التي سبقتها، والتي قد تفقد دورها الوظيفي بعد تسارع الأحداث في المنطقة ونهوض قوى الشارع واستمرار عملية الفرز السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها والتي ستقف في نهاية المطاف بوجه قوى الهيمنة الإمبريالية.

لم تبدل الولايات المتحدة سياستها وإن بدلت مناطقها أو أدواتها، فاليوم فُتحت بوابة اليمن لها عبر مجلس الأمن في محاولة كسب جديدة، يحمل الشارع اليمني والعربي مسؤولية الدفاع عنها.