الفساد ينخر العراق ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم!!
ستيركو ميقري ستيركو ميقري

الفساد ينخر العراق ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم!!

لم يكن العراق ملقحاً ضد وباء الفساد خلال نظام صدام حسين السابق لكن الاحتلال الأمريكي جاء ليكحل عين الفساد ويرفعه من مرتبة المرض المزمن الى حالة سرطانية متورمة تهدد وجود العراق أرضاً وشعباً، هذا البلد الثري الذي إن حفرت في ترابه ستحصل إما على كنوز ثمينة من الآثار أوعلى كميات هائلة من النفط، وعلى الرغم من أن موارده وإمكاناته ضخمة فالموازنة السنوية العراقية الأخيرة تأتي بعد الموازنة السعودية من حيث ضخامتها، وهي تفوق موازنات الأردن وسورية ولبنان ومصر مجتمعة، لكن معدل الفقر في العراق يفوق حاصل جمع معدلاته في تلك الدول مجتمعة فأكثر من 40% من سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من نصف سكانه عاطلون عن العمل، والنسبة نفسها تقريبا من مواطنيه يعانون الأمية.

تنامي حجم الفساد في الحكومة العراقية!

إن ظاهرة الفساد في العراق لم تعد حوادث متفرقة أو ظاهرة أفراد فاسدين فقد اعترفت بها جميع الجهات الحكومية، مما يؤكد تجذر هذه الظاهرة واستفحالها بشكل شلت الحياة في هذا البلد العريق حضاريا، و يتجاوز حجم الفساد في العراق أكثر من 10% من إجمالي الناتج الوطني، وأن ما بين ثمانية إلى عشرة مليارات دولار من الميزانية السنوية للعراق تضيع هباء بسبب عدم قدرة البلاد على استيعاب هذه المبالغ في مشاريعها، وهو الأمر الناجم عن حجم الفساد المستشري في البلاد، وكان آخر أخباره اختفاء 40 مليار دولار، حيث شكل البرلمان العراقي لجنة لتقصي الحقائق حولها.

وتشير التقارير أن العراق صار ثاني أفسد دولة عربية والرابعة عالمياً. فما الأسباب التي جعلته يتحول من حالة محدودة الى ظاهرة؟

في بداية الأمر دخل الفساد المؤسسات التربوية المسؤولة عن صنع الأخلاق ليلوث الضمائر الفتية ويهيِّئها لمرحلة القبول حين تصبح شابة، لينتقل «التطبيع» الذي مارس عملية «ترويض الضمير» سنوات قليلة، إلى حالة «القبول» المبرر نفسيا.

وإن أطاح المحتل الأمريكي بالنظام لكنه لم يطح بالفساد، فالسياسيون الذين استلموا السلطة قفزوا من الحضيض الى «القمّة».. فبنوا العمارات، واشتروا الشقق الفاخرة في عواصم عربية ومدن أجنبية ونظرا للأخطار الداخلية والخارجية التي يتعرض لها العراق ظهر عامل نفسي جديد ضاغط هو «قلق المستقبل»، أشاع الظاهرة اكثر في زمن البرلمان الأول، وتحكّم بالغالبية المطلقة من المسؤولين فعدّوا وجودهم بالسلطة «فرصة» عليهم أن يستغلوها بما يؤمّن لهم ولأسرهم مستقبلاً مادياً مضموناً. وبممارستهم له صار فعل الفساد «شطارة» وتوقف الضمير عن التأنيب بعـَدّ الفساد حراماً.

إلى أن جاءت المحاصصة والطائفية السياسية التي تعني أول ما تعنيه للفاسد باعتباره ابن الطائفة أنها كفيلة بحمايته، فدفعت بالعديد من هذه الطائفة وتلك الى سرقة المال العام في اتفاق ضمني: (اسكت وأنا أسكت) وهذا منحهم الشعور بالأمن النفسي. وصار الفساد بحجم أكبر لم يشهده تاريخ العراق والمنطقة.

لكن المشكلة أن الحكومة الحالية برئاسة المالكي سكتت عن محاسبة الفاسدين، وأصبحت مسألة الفساد التي ابتلي بها نظام الحكم والنخب الطفيلية في العراق تعد من المسائل الخطيرة الشائكة التي استعصى أمر تشخيص أسبابها وحصر أعراضها واقتراح العلاج لها.

مستويات قياسية للفساد

وتعد الفترة الممتدة من بداية احتلال العراق وحتى الآن من أخطر الفترات في تاريخ العراق الحديث بل وفي المنطقة بأسرها، حيث انتشر الفساد واستشرى في جميع مرافق الدولة الرسمية وغير الرسمية، فوصل الى مستويات قياسية مخيفة، حتى أصبح العراق البلد الثاني بعد الصومال على معيار الشفافية الدولية، وقد شمل مرافق عديدة كتردي الوضع الاقتصادي وانعدام الخدمات العامة وانتشار ألأوبئة الخطيرة وتفشي الرشوة وابتلاء المجتمع بعادات سيئة كانتشار البغاء والشذوذ الجنسي والمخدرات وتردي التعليم وتزوير الشهادات، وما إلى غير ذلك. لكن من أخطر مؤشراته على الإطلاق هو التلاعب  بالمال العام او الاستحواذ عليه وتبديده على نطاق واسع، وبأرقام وصلت حدود التسعة اصفار(المليارات) من الدولارات ومضاعفاتها بعد أن كانت أقل من تلك المستويات بكثير في النظام السابق، وذلك على سبيل التقدير.

ويعتبر برنامج إعادة إعمار العراق من أكبر عناوين الفساد في العراق، وقد فتح الجيش الأميركي عام 2007 تحقيقا في عمليات احتيال وسوء تصرف في 1800 من عقود إعادة إعمار العراق خلال سنوات ما بعد الاحتلال.. كما لا ينحصر أيضا في الصفقات الكبرى وعقود إنتاج النفط، بل حتى هدايا الأطفال لم تسلم من فضائح الفساد.

دور الأحزاب الأسلامية الدينية في انتشار الفساد

وفي ظل الأحزاب الإسلامية الأصولية التي تحكم العراق حالياً تضاعفت نسبة جرائم الفساد الشامل مرات كثيرة، قياسا على نسب جرائم الفساد في الدولة العلمانية السابقة. وهذا يدل على أن  الدين وحده لم يكن يوماً ما مرجعا أخلاقياً كافياً لمعظم الناس أو رادعاً حاسما لهم لتجنب الوقوع في المعصية او إتيان المنكر.

وهناك أسباب نوعية خاصة لفساد حكام العراق من بينها: أن سلطات الاحتلال زكت وآزرت الفئات الفاسدة وأفسحت المجال لتبييض أموالها وحمايتها من الملاحقة القانونية، وهي تعلم جيدا بصفاتها وسرائرها الفاسدة. أضف لذلك أن هناك بين المفسدين من يعتقد بانعدام أي احتمال لبقاء العراق كدولة مستقلة في المستقبل، لذلك أصبح التصرف معه كما يتصرف اللصوص مع دار تحترق، وآخرون يرون بأن نهب أموال العراق هو ثأر وانتقام من حكامه وقادته التاريخيين الذين سطوا على الحكم من الأكثرية العددية ،وهناك فئات إسلامية أو قومية متزمتة ترى أن نهب أموال الدولة حلال سائغ يضاف الى ذلك ضعف الشعور الوطني لدى بعض الناس وانعدامه التام بين الفئات المفسدة التي شد بعضها الحنين إلى ولاءاتها الأجنبية القديمة.

ولعله من مهازل العمل السياسي البائس أن السلطات العراقية نفسها وبمساعدة البرلمان قد حاولوا جاهدين كبح جماح المفسدين وتقديمهم إلى العدالة، علماً بأن كثيراً منهم ما يزال في سدة الحكم. لكن أمرا جادا كهذا لم يتم حتى الساعة.

أنواع الفساد

أولاً: الفساد المالي: إن تعطيل القوانين بعد انتشار الفوضى في العمل الحكومي  أدى إلى غياب المصدات التي تقف في وجه الفاسدين عند ممارستهم أفعال الفساد ولا أحد يمنع احداً عما يمارسه هو لأنه يعرف أن الجواب سيكون.. وأنت؟! مما أدى إلى انخراط الأدنى والأعلى في أفعال الفساد وظهور ما يسمى بـ «ثقافة الفساد» وأصبح  الفاسدون يسيرون في ميادينها بتفاخر.

ثانيا: الفساد الإداري: وهو الأثقل والأكثر ضرراً ويعني وضع أشخاص لايمتلكون المقدرة أو التأهيل العلمي أو الخبرة والممارسة في مواقع قيادية في الجهاز الحكومي الأمر الذي ينجم عنه فشل الأداء الحكومي في تحقيق نتائج موازية للمقدرات البشرية والمادية والمالية الموضوعة تحت تصرف الحكومة.

ثالثاً: الفساد السياسي: وهو الحاضن لكلا الفسادين ويوفر لمرتكبي كلا النوعين الحماية من القانون ويمنع ملاحقتهم ويمنع عنهم غضب الشعب ويغلف تلك الأفعال بتشريعات قانونية تحت بند ما يسمى بشرعنة الفساد ويفرغ الاجراءات والنصوص العقابية القانونية من مضامينها ويكبل القضاء ويغل أيدي الجهات المسؤولة عن مواجهة الفساد ويقوض استقلالها .. ويجعل منها خاضعة لسطوة الفاسدين أنفسهم وعندها تكون هي أيضا إحدى ضحايا الفساد ولتكن قضية الكهرباء مثالاً عملياً يضم تحت جناحيه الفساد المالي والإداري والسياسي، فالجميع تعامل معها ويعاني من جرائها: إن إنتاج الكهرباء في العراق بتاريخ 14/4/2012  كان 4800 ميغا واط، هذا يعني انه لم يزد عن حزيران 2004 إلا بمقدار 550 وهذه كلفتها وبالحد الأعلى لا تتجاوز 4 مليار دولار.. في حين أن المصروف على الكهرباء 37 مليار دولار… أين ذهبت الأموال..؟ وأين النتائج ؟علما أنه تم العثور على معدات ومحطات كهرباء مستوردة منذ عام 2007 موجودة في مخازن أم قصر في العراء تالفة..  قيمتها 4 مليار دولار ..! هذا المثل تناول الفساد في قطاع الكهرباء فقط ولو تناول الزراعة أو الصناعة أو التربية.. فإن الحال مزرية أكثر بكثير !. وكمثال عملي للفساد الفردي فإن أياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق ورئيس القائمة العراقية اشترى من أمانة العاصمة بغداد قطعة أرض مساحتها 600 متر مربع ثمنها 6 مليايين دينار عراقي لكن سعرها الفعلي في السوق هو 60 مليون دينار عراقي .

وأخيراً.. ماالعمل؟

وأمام هذا الواقع المؤلم للواقع العراقي وما يعانيه من الفساد المستشري فيه فإنه يقف عند مفترق طريقين لا ثالث لهما: إن وجود الأحزاب الدينية السياسية في السلطة، تنفيذا لمبدأ الأغلبية العددية المطلقة. وخضوعها إلى مرجعيات دينية عليا، يوجب عليها استبدال العناصر الفاسدة بعناصر شريفة وطاهرة من الأكاديميين والخبراء والمختصين لبناء الدولة العصرية الديمقراطية التعددية، وسلطانها الأول والأخير هو سيادة القانون. وأن يحميها جيش مهني قوي وشريف. فإن رفضوا هذا الحل السلمي والمنطقي فينبغي الشروع فورا في تنفيذ الحل الثاني الذي أول وآخر ما يعنيه أن تقوم جماهير الشعب بمختلف أطيافه السياسية ومعتقداته وقومياته، وتحت شعار واحد هو «من أجل عراق مستقل ديمقراطي موحد»، بانتفاضة سلمية عارمة تشمل جميع المحافظات. وأن تحافظ على عنفوانها وزخمها وتواصلها حتى يتحقق هذا المطلب المقدس، ومهما بلغت التضحيات.